أخرجت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور مسودة للدستور المصرى، وطلبت من الجميع مناقشتها وإبداء الرأى فيها والملاحظات عليها. وقد انقسم الناس إلى فريقين: فريق رضى بوجود الجمعية التأسيسية وتشكيلها فبدأ بالفعل فى فحص مواد مشروع الدستور ومحاولة تبين الصواب والخطأ، أو الصواب والأصوب، وأجهد نفسه فى الحذف والإضافة.. أما الفريق الثانى فهو من الأساس يرفض خطة الطريق التى قادت إلى وجود الجمعية التأسيسية وتشكيلها؛ لذا فهو يحاول هدم الجمعية من قواعدها، ويرفض الجمعية ومن فيها ومن اختاروهم وما أنتجته وما كان يمكن أن تنتجه! فضلا عن سوء تأويل النصوص.. بل القول بوجود نصوص غير موجودة أصلا، اعتماداً على أن الناس لا تقرأ ولا ترجع للأصل لتقارن بين ما فيه، فى الواقع والحقيقة، وما يقال -على غير الواقع والحقيقة- إنه فيه. على سبيل المثال، قرأت حوار «الوطن» بتاريخ 1/11/2012 مع الدكتور نادر الفرجانى، وهو أكاديمى معروف، وسألته الزميلة التى أجرت الحوار عن الدستور لماذا يراه إرهابيا (!) فقال: «لأن كل مادة من مواده، التى تقر حقا أو حرية أساسية، تنتهى بشرط مطاط، هو (بما لا يخالف شرع الله)؛ لأن شرع الله واسع جدا ويحتمل تفسيرات فقهية مستنيرة، ويحتمل تأويلات فقهية متخلفة ورجعية ومتشددة، ومن ثم فهذا تقييد للحقوق والحريات التى يقرها مشروع الدستور، وهو مشروع إرهابى لأنه فى النهاية يضع من يعترض على تقييد الحرية أو الحق تحت طائلة التكفير، لأنه يخالف شرع الله ومن يخالف شرع الله، فهو كافر».. «ومادة مساواة المرأة بالرجل لم تكتف بشرط (بما لا يخالف شرع الله)، بل وضعت شرطا أكثر تقييدا وأوسع مجالا للتكفير والتحريم، وهو (بما لا يخالف أحكام الشريعة)، وأحد أحكام الشريعة ألا تخرج المرأة من بيت زوجها إلا لتدفن، وكل هذا تقييد إرهابى يحول مصر إلى سجن كبير فى ظل إسلام شكلى لا معنى له». وقد عدت إلى مسودة الدستور المنشورة فلم أجد شيئاً مما أكده د. الفرجانى، فكل المواد التى تتحدث عن الحريات لم تضع هذا الشرط أبداً، بل تحدثت عن حرية الفكر والرأى، وحرية الإبداع بأشكاله المختلفة، وحرية وسائل الإعلام، ولم يرد هذا الشرط فى المسودة كلها إلا فى المادة 68 ونصها: «تلتزم الدولة باتخاذ كافة التدابير التى ترسخ مساواة المرأة مع الرجل، فى مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية». والغريب أن يقرر د. الفرجانى أمراً غريباً شاذاً هو أن أحد أحكام الشريعة ألا تخرج المرأة من بيت زوجها إلا لتدفن! فمن أين جاء بهذا الحكم الفقهى؟ لم يقل ذلك أحد من علماء المسلمين طوال تاريخهم.. لكن العلماء قالوا إن هناك من يترك الحق سهوا أو جهلا، وهناك من يخرج عنه عمدا.. وقالوا أيضاً إن القوم إذا حرموا التوفيق تركوا العمل وغرقوا فى الجدل «وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً».