لم يتخيل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أن تتحول إذاعة القرآن الكريم التي أسسها لتكون وسيلة للدعاية السياسية أو تستغل لهدف حزبي معين، حيث تم التفكير في إنشاء إذاعة القرآن الكريم في ستينيات القرن الماضي، عندما ظهرت طبعات محرفة للقرآن الكريم وكانت أنيقة ومغرية، فأوحى الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الإرشاد القومي والإعلام القومي آنذاك للزعيم جمال عبدالناصر بإنشاء إذاعة القرآن الكريم، لتكون بمثابة أول تسجيل صوتي للقرآن، لأنه كان مكتوبا لكن الفكرة كانت لتسجيله وحفظه صوتيا. وبالفعل وافق عبدالناصر، حينما أصدر قرارا للإعداد لإنشاء إذاعة القرآن الكريم، وبدأ البث في منطقة الشريفين بشارع علوي - الإذاعة القديمة المصرية - بوسط البلد كهيئة إذاعة غير معروفة، ولكنها بدأت كبائن استماع تبث اسطوانات القرآن مرتلا، ولم يستغل عبدالناصر الإذاعة مطلقا في الدعاية السياسية. وكان الرئيس محمد أنور السادات هو أول رئيس يخطب من إذاعة القرآن الكريم، والفارق بينه وبين السيسي، أن السيسي هو أول من يجري فيها حوارا إذاعيا، حيث وجه الرئيس السادات كلمة للشعب المصري عبر إذاعة القرآن الكريم في 31 مايو 1976، ووفق خطبة الرئيس السادات في إذاعة القرآن الكريم والموجودة بالموقع الخاص به والذي دشنته مكتبة الإسكندرية، كانت مقدمتها "كان المسلم في الماضي لا يملك إلا منبراً يقف عليه وفي يده سيف خشبي وكل أدواته صوت جهير يصل لبضع مئات من المصلين أو المستمعين على أكثر تقدير، ولكنه اليوم يستطيع أن يتكلم من الميكروفون، فيصل صوته واضحاً جلياً لمائة مليون في وقت واحد، بل ويستطيع أن يطل بصورته وشخصه في ذات اللحظة فيكون له حضور ومثول فعلي، وينقل القمر الصناعي هذا الحضور عبر القارات والمحيطات لعشرات الشعوب، وبنفس السرعة والكفاءة تستطيع أيضا آلات الطباعة أن تواكب هذا الانتشار بالمطبوعات الفورية فتشرح الكلمة وترسخها وتثبتها في الأذهان، وعلى مساحة الملايين من دول وأمم مختلفة ومتباينة تتكلم بالعديد من اللغات، كل هذا غير قدرة الفنان والداعي المسلم على أن يعبر بالرواية والمسرحية والقصة والفيلم عن مفاهيم كانت وسائلها الوحيدة كتبا صفراء تطبع وتنشر بطرق بطيئة وتحتاج في أغلب الحالات لشراح ومفسرين يشرحون طلاسمها وألغازها". وأضاف السادات "أما اليوم فقد تغيرت الدنيا، والمسلم الآن يضع يده على وسائل رهيبة للدعوة والتأثير، ولكن هذا المسلم مازال للآن دون مستوى المسؤولية بالنسبة لهذه الوسائل الرهيبة، لقد تغيرت الدنيا ولم يتغير المسلم إلا قليلا، فهو وراء عصره في التكنولوجيا والعلم بسبب استعمار طويل وخلافات وصراعات استهلكت معظم طاقاته". أما في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، فلم تدخل إذاعة القرآن الكريم في صراعات سياسية، حسبما أفاد العديد من الإعلاميين المقربين منه، مشيرين أنه كان يفضل التواصل عبر الحوارات التليفزيونية المسجلة والصحافة. وفي عهد الرئيس المعزول محمد مرسي وعقب تولي صلاح عبدالمقصود وزيرا للإعلام، أصبحت استضافة وزراء حكومة الدكتور هشام قنديل عادة غير معروفة السبب، حيث حل الوزراء ضيوفا على الإذاعة، وكان آخر هؤلاء الوزراء أسامة يس وزير الشباب السابق، الذي حل ضيفا على الفترة المفتوحة، والتي تستمر لمدة ساعة وتحمل عنوان "غذاء الروح"، ومن قبله حل وزير التربية والتعليم ضيفا على نفس الفترة المفتوحة لمدة ساعتين كاملتين، كما استضافت الإذاعة وزير التموين الذي لحقت باستضافته كثير من انتقادات المستمعين الذين تساءلوا عن علاقة القرآن الكريم بالتموين، هذا إضافة إلى استضافة وزير الإعلام. وفي ذكرى إعطاء إشارة البدء في إذاعة القرآن الكريم، أدلى الرئيس عبدالفتاح السيسي بحديث لأول مرة للإذاعة، بمناسبة عيدها الواحد والخمسين أمس، حيث تحدث عن ضرورة لفظ الأفكار الهدامة، وشدد على أهمية دور الإذاعة في نبذ التطرف.