«السيد رئيس الجمهورية حفظه الله» كانت الكلمة صادمة لأذنى خاصة أننى أسمعها من مذيع فى إذاعة القران الكريم المصرية لا إحدى إذاعات دول الخليج مع احترامنا الكامل لتقاليدهم، ولكن بقليل من الانتباه للبرامج الحوارية فى إذاعة القرآن.. تبين أن الأمر أكبر بكثير من مجرد الكلمة السابقة، فقد تم تجنيد الإذاعة لتجييش الناس لمناصرة الإخوان المسلمين تحت زعم نصرة دين الإسلام. تحولت أول إذاعة للقرآن الكريم على مستوى العالم التى أنشأها الرئيس جمال عبدالناصر عام 1964 ، والتى لم يذكر فيها اسم رئيس جمهورية مسبوقا أو ملحقا بأى دعاء له على مدار سنواتها الثمانى والأربعين إلى بوق للدعاية لقرارات السيد الرئيس الإخوانى ومكتب إرشاده، وكانت النافذة الذهبية لذلك.. هى برامج الفترات المفتوحة ومن أهمها الفترة الصباحية من الساعة الثامنة ولمدة ساعتين.. بالإضافة لفترة السابعة مساء والعاشرة مساء وتتيح للمستمعين الاتصال بالإذاعة وإلقاء أى أسئلة، ويجيب عنها أحد الشيوخ أو أحد أساتذة الجامعات الأزهرية، ومن هنا نفذت اللجان الإلكترونية الإخوانية إجراء اتصالات من سيدات تارة ومن رجال تارة أخرى لتحية الإخوان على مشروع الدستور وأنه يهدف إلى خير البلاد، ولماذا يعارضه العلمانيون وإلقاء أسئلة ذات توجه مسبق إلى الشيخ الضيف بأن الضرورات تبيح المحظورات، ولابد أن نقبل بقرض صندوق النقد حتى تستطيع البلاد الخروج من أزمتها الاقتصادية، وهناك من الشيوخ من يجد نفسه فى موقف حرج فهولا يريد التحدث فى السياسة فى الوقت الذى يشجعه المذيع على الإجابة التى يريدها المستمع المتصل وشيوخ آخرون يسايرون الموجة الإخوانية.
وقد حدا هذا الموقف الغريب من الإذاعة الوقورة إلى شن الإعلامى أحمد المسلمانى هجوما عليها.. فقد أصبحت طرفا فى الصراع السياسى بين جماعة الإخوان المسلمين وجبهة القوى المدنية والإنقاذ الوطنى، حيث قال لها «يا إذاعة القرآن الكريم اتق الله».
وقال المسلمانى عبر برنامجه الطبعة الأولى: لأول مرة تدخل إذاعة القرآن الكريم طرفا فى السياسة وصراعاتها، مما سيفقدها الجماهيرية الكبيرة التى كانت تتمتع بها من جميع المصريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية.. مبررا ذلك بالعلماء الذين يحاولون من خلال برامج الإذاعة إباحة الاقتراض من صندوق النقد الدولى بحجة أن الضرورات تبيح المحظورات بالرغم من أنها أعلنت من قبل سابق موقفها من الاقتراض عندما شرعت حكومة الجنزورى فى اتخاذ نفس الخطوة بالتحريم النهائى، وتساءل المسلمانى عن سبب تغيير إذاعة القرآن الكريم لموقفها؟..ومحاولة الإجابة عن تساؤل المسلمانى تتلخص فى معرفة آراء إبراهيم مجاهد الرئيس السابع فى تاريخ إذاعة القران الكريم، الذى يؤكد أن هناك حرب أفكار شرسة يشنها أعداء الإسلام تستهدف تشويه العقيدة الإسلامية وسلخ المسلمين عن دينهم وفرض قيم وثقافة العولمة التى تتعارض مع تعاليم الإسلام!.. الغريب أن آهم المواقف التى تشبث بها مجاهد فى مواجهة أفكار العولمة هو إصراره على استضافة دكتور زغلول النجار فى الإذاعة لشرح التفسير العلمى للقرآن الكريم وهو التفسير الذى لاقى اعتراضات من بعض العلماء حينئذ.
السيد إبراهيم مجاهد برجاء عودة إذاعة القرآن الكريم إلى وقارها المعهود وإبعادها عن معترك السياسة، فقد أنشأها عبدالناصر لتكون إذاعة للمصحف المرتل، وعندما بدأت البرامج فى اقتحامها كانت بنسبة 5 فقط، وذلك لشرح صحيح الدين وليس للدعوة إلى فصيل سياسى يتخذ الدين ستارا لتحقيق مآربه.