عندما ترى كل هذا العدد من الحضور فى المؤتمر الاقتصادى الذى عقد بشرم الشيخ فلا بد أن تعتقد للوهلة الأولى أن كل هؤلاء جاءوا من كل أنحاء الدنيا لدعم الاقتصاد المصرى والاستثمار فى مصر وإقامة المشاريع النافعة لهم ولنا، أنا أعرف أن المظاهر خداعة كما يقولون، ولكن مصر نجحت فى تقديم صورة جيدة للعالم الخارجى تساعد فى صورة الاستقرار السياسى وأن عمليات العنف التى تقع هى أمور لا تعوق الاستثمار، خاصة أنها توقفت خلال انعقاد المؤتمر، كما أظهرت أن لدينا سوقاً يمكنكم العمل فيها برحابة، جهد قد يكون دافعاً لتشجيع الاستثمار والسياحة، ثم كان حضور «كيرى» وكلمته داعماً للنظام السياسى بعد 30 يونيو واعترافاً مضطرداً بشرعيته والتخلى أكثر عن جماعة الإخوان رغم التردد. الدعاية الإعلامية والإعلانية المبالغ فيها كان ينبغى أن تتوجه للخارج أكثر وينفق عليها هناك، وهى هنا بمبالغاتها بثت فرحاً وأملاً عند أغلب الناس المشتاقين للأمل والفرح والرخاء، عموماً فإن آمال الناس عادة ما تعقب مثل هذه المؤتمرات والتجمعات، خاصة مع تكثيف الدعاية واستخدام الإبهار والأغانى لمدة أيام دون أن نسمع معارضة أو رأياً آخر فى أى قناة من تلك القنوات التى توحدت وكأنها قناة واحدة! الأشياء الحقيقية لا تحتاج غالباً لكل هذه الإضافات والدعايات. إن إدراك الحقيقة يكون أكثر وضوحاً إذا تعرت ويكون تأثيرها الذى تحدثه فى النفوس والعقول أبقى وأعمق وأجمل، وهذا يتم إدراكه والوصول إليه بمناقشة جادة لمؤيدين ومعارضين للمؤتمر أو معارضين بشروط، مناقشة تبنى على تحليلات علمية وعقلانية دقيقة ومخلصة، وهو ما لم يشاهده الناس فى تلك القناة! بل إن مانشيتات الصحف خرجت أيضاً بعنوان واحد توصيفاً لحالة المؤتمر. إن شكل أى عمل أو إنجاز أياً كان سياسياً أو اجتماعياً أو غير ذلك مرتبط بمضمونه، وهذا المؤتمر يمس قطاعات وأطرافاً عديدة من المواطنين الذين تختلف طموحاتهم من هذا المؤتمر، إن الناس لا تنظر للتفاصيل وتفضل ما يقدم إليها جاهزاً ولكن نفس هذه الناس التى أجاد الإعلام فى تحقيق شوقها للفرح والأمل قد لا يطول صبرها، خاصة أن تجربتنا السابقة مع مثل هذه المؤتمرات بينت عدم صدق تعهداتهم تماماً، البورصة هبطت قبل وبعد المؤتمر مباشرة على غير المتوقع مما يثير السؤال. إن ما يمكن استخلاصه من هذه الدعاية هو أن النتائج السياسية المطلوبة هى الأسبق والأكثر إلحاحاً، خاصة أن المشروعات التى تم التعهد بها (وليس الاتفاق أو التعاقد) يتعلق معظمها بالطاقة وتنفيذها بدقة وسرعة يتطلب ما لا يقل عن ثلاث إلى خمس سنوات أو تمتد إلى عشر سنوات فى حالة المشروعات طويلة الأجل، وهذا ما كان ينبغى أن يكون واضحاً لأن توقعات الناس من نتائج المؤتمر كبيرة جداً لدرجة تشكل ضغطاً وحرجاً على صاحب القرار، الذى أصدر تشريعات تزامنت مع المؤتمر قدمت تنازلات جمة وغير محدودة للمستثمرين لتشجيعهم، وكان من المفترض فتح باب مناقشتها فى المجتمع قبل إصدارها! إننا فى حاجة أخرى لحماية وتشريعات تواكب تلك التشريعات لكى نحمى حقوق ومصالح العاملين وضمان نظام عادل للأجور يتناسب مع الأرباح المحققة والذى تعد مصر من أعلى الدول فى تحقيق نسبة الربح للمستثمرين، نحتاج تشريعات لكى تضمن توزيع عوائد هذا الاستثمار إن تحقق بما يحقق العدالة الاجتماعية لكى يكون دافعاً آخر لتشجيع الاستثمار.