«أنا كويس والحمد لله»، 4 كلمات مقتضبة، هى نص الرسالة التى طمأننا بها الموسيقار الكبير عمار الشريعى على صحته، عبر الهاتف فور عودته إلى منزله، بعد رحلتى علاج الأولى فى فرنسا والثانية فى القاهرة. داخل غرفة نومه، يرقد الموسيقار الكبير عمار الشريعى مريضا بضعف فى عضلة القلب، وتسبح رئتاه فى مياه تتكوم عليهما بين الحين والآخر، ليجد «الغواص فى بحر النغم» نفسَه «غواصا فى بحر الألم»، لكنه كعادته البريئة يظل متسلحا بصمته، متكئا على قوة شخصيته ومثابرته، حاملا درع كبريائه فى وجه المرض الكريه. 10 أيام كاملة قضاها «مسحراتى الفن» فى أروقة مستشفى «جورج بومبيدو»، باحثا عن الشفاء، واثقا فى لطف الله بقلبه ورئتيه، أجرى هناك عملية جراحية، عاد بعدها إلى مصر، لتعاوده الآلام، وتضطره إلى الانتقال إلى مستشفى بالقاهرة لإزالة مياه متجمعة على الرئة، وقبل عيد الأضحى بأيام قليلة خرج سالما يتماثل للشفاء. صاحب «الأيام» و«النديم» و«عصفور النار» و«الشهد والدموع» و«زيزنيا» و«أرابيسك» و«شيخ العرب همام» و«البرىء» و«كتيبة الإعدام» وعشرات الأعمال الخالدة، لم يشأ أن يزعج محبيه ومتابعى برنامجيه التليفزيونى «سهرة شريعى» والإذاعى «غواص فى بحر النغم» بحالته الصحية، فطمأنهم جميعا، لكنه كعادته ظل صامتا، متحملا، شاكرا، مخفيا آلامه عن أقرب الناس إليه، ولم يكن ذلك غريبا على هذا الضاحك الباكى، صاحب الابتسامة الساحرة والروح الساخرة. كبرياء «عمار»، الذى يعرفه ويلمسه عشاق فنه فى ألحانه التى أبدعها على مدى نصف قرن، منعه من المتاجرة بمرضه، لكنه لم يمنعه من طلب حقه، كاشفا بطلبه من نقابة الموسيقيين مرتين علاجه على نفقة الدولة، مدى الإهمال الذى يتعرض له المبدعون فى هذا الوطن عندما يداهمهم غول المرض؛ إذ لم تتلقَّ النقابة حتى اليوم أى رد من رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية على الطلبين، رغم علم الرئيس محمد مرسى بمرض «الشريعى»، وإرسال باقة ورد له، مشفوعة بتمنيات بالشفاء، لكنها لم تكن مصحوبة بأى إجراءات أو قرارات تكشف نية الدولة استكمال علاج المبدع الكبير، رغم أن حالته الصحية بحاجة ماسة لزراعة «قلب صناعى» بإحدى الدول الأوروبية. عمار الشريعى، الذى أبدع للحرب والثورة والعروبة والطفولة، وكانت أعماله فى صلب رسائل علمية لدرجتى الماجستير والدكتوراه بالمعاهد والكليات الموسيقية، أكبر بكثير من أن تلخصه كلمات، أو تصفه سطور، أو أن تؤازره فى محنته عبارات التمنى بالشفاء، فهو بفنه وروحه المرحة، وشخصيته المصرية الأصيلة، وصدقه مع نفسه، وثبات موقفه، مَنْ عودنا على الصبر والأمل وحب الحياة وحب الوطن. أظنكم تسمعونه معنا الآن وهو يدندن بكلمات رفيقه الشاعر الكبير سيد حجاب: «حبيبتى بتعلمنى أحب الحياه.. من حبى فيها حياتى شمس وربيع.. والحب فى الدنيا دى طوق النجاه.. لولاه يضيع قلب المحب الوديع».