رحلة طويلة من الشقاء عانتها «أم السعد فرج أبوحشاد»، بدأت تلك الرحلة عندما تزوجت من رجل بسيط الحال كان يعمل فى إصلاح «كوالين» الأبواب، لم تتذمر يوماً من ضيق حاله، بل إنها كانت تعاونه على نفقات البيت حتى رزقهما الله بطفلين، فشعرت حينها أن المهمة ستكون أكبر وأن عليهما أن يعملا أكثر حتى يوفرا للطفلين حياة كريمة، ولكنها فى أحد الأيام فوجئت بالزوج يسقط مغشياً عليه فهرعت به إلى المستشفى وهناك علمت أنه مصاب بمرض فى القلب، وما هى إلا شهور قليلة حتى انتقل الزوج إلى رحمة الله تاركاً إياها هى وابنيها، كان الصغير حينها لم يتعد عمره عاماً أما ابنهما الثانى فكان يبلغ من العمر أربع سنوات، شعرت حينها أن مهمة الأب أضيفت إلى أعبائها فأخذت تجول فى الشوارع، حيث تسكن فى مركز بركة السبع بمحافظة المنوفية بحثاً عن عمل يوفر لها قوت يومهم، لم تترك عملاً إلا وعملت به، تارة تعمل بائعة خضار وتارة أخرى تتجول فى الشوارع لتبيع العسل ووابير الجاز وتارة ثالثة تمر على بيوت تحت الإنشاء وتطلب من أصحابها أن يسمحوا لها بالعمل «بنا» لتحمل قوالب الطوب على رأسها وتنقلها مع بقية العمال، فى البداية استغرب طلبها هذا الكثيرون ولكنها حينها قالت لهم «سأفعل أى شىء لأطعم أبنائى»، فى ذلك الوقت عرض عليها أحدهم الزواج ووعدها أن يساعدها فى تربية أبنائها شعرت أنها ستجد من يقف بجوارها ويخفف من تعبها وبالفعل تزوجته، كان الرجل طيب القلب أحب طفليها وعطف عليهما وعاملهما كأبيهما وأنجبت منه بعدها طفلين، لكن القدر كان يخبئ لها محنة جديدة، فقد توفى زوجها لتجد نفسها مسئولة مرة أخرى ولكن عن 4 أطفال فعادت للعمل وحمل الطوب من جديد. كان أبناؤها يشفقون عليها من شدة تعبها، خاصة أنها أصيبت بآلام الغضروف، وطلب منها ابنها الأكبر أن يترك المدرسة ليساعدها فى العمل ولكنها رفضت بشدة وقالت له «أنا لو هبيع عمرى عشان تكملوا تعليمكم هبيعه بس عاوزة أحس إنى عملتلكم حاجة كويسة وإن هيبقى ليكم مستقبل بعيد عن الشقا»، وبالفعل استمرت فى العمل وفى الإنفاق على أبنائها، ولكن ابنها لم يستطع أن يكمل بعدما حصل على شهادة الثانوية الأزهرية وقرر أن يترك الدراسة ليعينها على المصاريف، ولم يهدأ لها بال إلا بعد أن زوجت أبناءها وطلبت من ابنها الأكبر أيضاً أن يتزوج ويعيش معها فى البيت لترعاه هو وزوجته وأبناءه. «أم السعد» الآن تخطت الستين عاماً وتعانى من أمراض عديدة، وبالرغم من ذلك تدعو الله ليلاً ونهاراً أن يعيد لها صحتها لعلها تتمكن من مساعدة أبنائها على مصاريف أطفالهم، يتمنى أبناؤها برغم ضيق حالهم أن يردوا لها الجميل وأن يعوضوها عما قاسته طوال حياتها ولكنها لا تردد عليهم إلا جملة واحدة «أنا مش عاوزة حاجة ليّا أنا عاوزاكم انتو تبقوا دايماً مبسوطين».