تصاعدت أزمة دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان، بسبب الطريق الدولى «الفيوم - الواحات» الذى تنوى الدولة إقامته ويشق سور الدير، واعترض عليه عدد من رهبان الدير الذين تصدوا بأجسادهم لمعدات وآليات الشركة المسئولة عن شق الطريق، لتتبرأ بعدها الكنيسة من الدير و6 من رهبانه. وتطورت الأزمة لتصل إلى معركة دموية بالأسلحة البيضاء، مساء أمس الأول، بين رهبان الدير المؤيدين لموقف الكنيسة، والرافضين لإنشاء الطريق الدولى، انتهت بإصابة 4 رهبان بجروح قطعية، نقل اثنان منهم إلى مستشفى الفيوم العام لتلقى العلاج هما ميخائيل عياد، وأيوب بشاى، فيما أخطرت النيابة للتحقيق. والتزمت الكنيسة الصمت حول الحادث ولم تعلق عليه، واكتفت بالتنويه عن عقدها مؤتمراً صحفياً أمس- لم يبدأ حتى مثول الجريدة للطبع- لعرض موقفها من الأزمة. فيما قال الراهب أبانوب الريانى، أحد المصابين، ل«الوطن»، إن المعركة التى حدثت مساء الأحد داخل الدير، أسفرت عن إصابة العديد من الرهبان المؤيدين لقرارات البابا، مضيفاً: «تمكنت أنا والراهب جبرائيل الريانى، من الهروب عبر السور إلى الصحراء لنذهب إلى المستشفى، وإصابتى عبارة عن كدمات وجروح قطعية، فيما كانت إصابة الراهب جبرائيل جرحاً قطعياً بطول 7 غرز، وشرخاً فى الجمجمة». وتابع «أبانوب» أن «الرهبان المشلوحين من قبل الكنيسة، ومعهم 25 راهباً آخرون، هم من اعتدوا علينا وفرضوا حظر تجول بالدير ومنعونا من الخروج وأغلقوا أبواب الدير، والمعركة اندلعت عقب البيان الذى أصدرناه لتأييد قرارات الكنيسة أمس الأول، وهدم أحد الرهبان المؤيدين لها جزءاً من سور الدير، تعبيراً عن خضوعنا وتأييدنا لقرارات البابا، ونحن أعددنا تسجيلاً صوتياً لمبايعة وتأييد للبابا، تم تسليمه إلى إيبارشية الفيوم، حتى تقدمه إلى الكنيسة». وقال الراهب ميخائيل الريانى، إن الاشتباكات وقعت نتيجة خلاف الرهبان المشلوحين مع المؤيدين لقرارات البابا، حيث إن البابا واللجنة المشرفة على الدير أعطت مهلة أسبوعاً للآباء المشلوحين للتوبة والعودة للحياة الرهبانية إلا أنهم تمادوا فى تصرفاتهم واستغلوا هذه المدة لافتعال المزيد من المشكلات مع باقى الرهبان، وهو ما أدى إلى اندلاع المشاجرة التى اعتدى فيها الرهبان على بعضهم البعض، بالعصى والشوم والسكاكين، ومنع الرهبان المشلوحين، المصابين من الخروج للعلاج ووقفوا على بوابات الدير ومعهم 6 رهبان و25 طالب رهبنة من المتضامين معهم، الأمر الذى جعلنا نُهرِّب المصابين من خلال سور الدير. من جانبها، كشفت مصادر كنسية، طلبت عدم ذكر اسمها، عن أن الاشتباكات بين الرهبان بدأت بسبب هدم المؤيدين لقرارات البابا، أجزاء من سور الدير الذى يمتد بطول 8 كيلومترات ليضم للدير مساحة 13 ألف فدان، لافتة إلى أن جميع المصابين فى تلك الواقعة من مؤيدى الكنيسة. وأوضحت المصادر أن هذا التطور جاء فى أعقاب نشر الكنيسة بياناً من مجمع رهبان الدير، يحتوى على توقيع 116 راهباً، يؤكدون فيه خضوعهم للكنيسة ممثلة فى البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والخضوع لقرارات الكنيسة، خصوصاً أن هذه القرارات ليست ضد فئة الرهبان الذين يحيون حياة الطاعة والرهبنة والفقر الاختيارى. وأكد الرهبان، فى بيان مجمعهم، أنهم يرفضون بشدة التصرفات غير اللائقة والمتطرفة لبعض الرهبان غير الخاضعين لقوانين الرهبنة، وأن الدير غير مسئول عن أى بيانات أو تصريحات تصدر ضد الكنيسة ورئاستها من خلال وسائل الإعلام، وطالبوا الأقباط بألا ينقادوا وراء أى تصرف أو رأى شخص ما، يريد أن يصنع الفتنة والانقسام بين الكنيسة وأولادها، مؤكدين أن الكنيسة لم ولن تتخلى عنهم ولن تستطيع قوة أن تنال من وحدتها. وقدم الرهبان فى نهاية بيانهم الذى حمل ختم الدير، الشكر لرئاسة الكنيسة على اهتمامها بحل مشكلات الدير، مؤكدين ثقتهم فى الحكمة التى تقودها وشكروا أعضاء اللجنة المشرفة على الدير لجهودهم المبذولة فى هذا الشأن وتضم اللجنة ثلاث أساقفة هم: الأنبا أبرام أسقف الفيوم، والأنبا مكاريوس أسقف المنيا، والأنبا أرميا الأسقف العام. فى المقابل، قال الراهب بضابا الريانى، المعارض لشق الطريق، إن الاشتباكات التى وقعت فى الدير كانت بين المؤيدين لقرارات الكنيسة وبعضهم البعض، وليس مع المعارضين لهم، وإن المشاجرة تطورت بسبب التوقيعات التى حملها البيان الأخير للكنيسة الذى يشير إلى وجود حملة توقيعات من رهبان الدير تؤيد قرارات البابا، واعترض بعض الرهبان على صيغة البيان وعلى التوقيع نيابة عن بعضهم، مضيفاً: «البيان الصادر عن رهبان الدير لتأييد قرارات البابا خرج بعد تواصل الرهبان المؤيدين للكنيسة مع القس إنجيلوس إسحاق، سكرتير البابا، الذى طالبهم بإصدار البيان المؤيد للبابا وتهديد الرهبان المعارضين له بالقبض عليهم وتسليمهم للشرطة، ما أدى إلى تصاعد الأزمة». وأكد «بضابا» أن الرهبان المشلوحين لن يتركوا الدير لأن قرار شلحهم جاء دون محاكمة وبالمخالفة للقوانين الكنسية. وقال رهبان الدير المعارضين لقرارات الكنيسة، ويتزعمهم الرهبان ال6 المشلوحون، فى مؤتمر صحفى، أمس الأول بالدير، إن بعض المقربين من البابا تواضروس أوصلوا معلومات خاطئة عن الأزمة أدت إلى تفاقمها، واتخاذ البابا للقرار الأخير بعزل 6 من زملائهم، وناشدوا الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يُحل البابا، من وعده له، بأن يمر طريق «الفيوم - الواحات» بالدير ويعدل من مساره حتى لا يشق الدير نصفين، خصوصاً أنه سيكون قريباً جداً من الكنيسة الأثرية، ويشق المساحة بينها وبين مغائر الرهبان، ويعترضه عدد من المواقع الأثرية، التى أقرتها وزارة الآثار بشكل أولى. وطالب رهبان الدير، وزير الآثار بالتعجيل باعتماد الدير كمنطقة أثرية، لأنهم لن يسمحوا أبداً بهدم منشآت الدير من أجل إقامة الطريق، الذى يوجد له مسار بديل أفضل، متهمين المهندس الفنى المسئول عن إقامة الطريق بالتعنت، وإصراره على تمرير الطريق من الدير وتقسيمه، دون مبرر منطقى، وهددوا بالنوم أمام المعدات التى ستحاول هدم أى جزء من أجزاء الدير. وقال الراهب بولس الريانى، الذى تبرأت منه الكنيسة، إن الرهبان يناشدون الرئيس التدخل بإصدار تعليمات إلى المسئولين عن إنشاء طريق الفيوم - الواحات، بتعديل مساره، خاصة أن المسح للمنطقة عن طريق «جوجل» أثبت وجود مسارين بديلين لمرور الطريق من داخل الدير، أحدهما يوفر 33 كيلومتراً والثانى يوفر 53 كيلومتراً من طول الطريق، مضيفاً خلال المؤتمر: «هناك لجنة من وزارة الآثار رفعت قرابة 30 موقعاً أثرياً فى محيط الدير، وتبقى إجراءات روتينية لتسجيل الدير ومحتوياته برقم كودى أثرى، ولا يجوز تدمير الدير والحياة الرهبانية فيه، وهو مكان تاريخى، ونناشد البابا زيارة الدير بنفسه، للتعرف على حقيقة الأزمة بدلاً من الاعتماد على سكرتيره الخاص فى الحصول على المعلومات غير الدقيقة. وأشار «بولس» إلى أن الأمانة العامة بوزارة الدفاع أرسلت إليهم خطاباً يفيد بأنهم سيجرون مسحاً أثرياً للمكان، بناء على خطاب أرسله لهم رهبان الدير فى 2 ديسمبر 2014.