هل يمكن لنا كمصريين أن نحقق التنمية المبتغاة والتقدم دون ديمقراطية أو فى غيابها؟ هذا هو سؤال اللحظة لكى نرى من أين تشرق شمس بلادنا، هل سيعمل المصريون بإخلاص وتفان وهم يرون التقصير أمام أعينهم بينما ممنوع عليهم أن يسألوا حكامهم ومديريهم والمسئولين المعنيين عن هذا التقصير أو الإهدار أو التبديد لمواردهم وأموالهم وما يتعلق باحتياجاتهم ومصالحهم وحياتهم الآنية والمستقبلية؟ هل سيُجد هذا المواطن فى إنتاجه وهو يشعر بالخوف من السؤال أو أنه مراقب وأن بعض من حوله يتسمعون أقواله ويراقبون أفعاله وينقلون منها ما يلزم لمن يهمه هذا العلم الردىء؟ هل سبق لنا طوال هذه السنين التى تم فيها التعامل مع الشعب على هذا النهج أن تحققت تنمية يعتد بها أو نجاح يذكر لنعيد هذه السيرة ثانية؟ أظن أن هزيمة 67 تجيب. لن يفرغ شخص لحبه أياً كان هذا الحب سواء كان عملاً أم شخصاً أم فكرة ويخلص له وينمو به وينميه ويسعد به ونصف عقله ذاهل عنه تحسباً وحساباً وإحساساً غير مريح وشكاً وقلقاً وتوجساً، كيف سيخلص لعمله ويتفنن فيه وهو ليس حراً؟ مساءلة الحاكم دون خطوط هى حق أصيل للمواطن لأنه صاحب المصلحة الأصلية والمالك الحقيقى للسلطات، وسلبه حقه لم يؤد إلا إلى تعويق التقدم والتنمية. لا يمكن للعاملين لدى الشعب أن يمنعوا مساءلته لهم مهما كانت مناصبهم ومهما كانوا هم. إن الشعب لا تخلو يداه من حيل الرد والعقاب، وإذا حُرم حقه فلن يكون سالماً ولا مسالماً وإن أبدى الخضوع وإن أظهر السلام، وكف الكلام والمطالبة بالقصاص والأموال المنهوبة مثلاً. وتنتهج الجهات الحاكمة هذا السبيل للحفاظ على مصالحها هى ومصالح حلفائها، فمنع الحريات والمساءلة الشعبية ضرورة لاستمرار الظلم ومنع المساواة بين المواطنين، لأن الديمقراطية تكشف الظلم والفساد، ولهذا تتفق جماعة الحكم بتكويناتها من المؤسسات والجماعات والطبقات وأصحاب المصلحة على الشيئين: الاستبداد والظلم. هناك مثل بسيط لمن سلبت منهم حقوقهم نتيجة غياب الحريات وأعطيت لغيرهم كمثال سواء فى التعيينات فى قطاعات كالجامعة أو القضاء أو الشرطة أو الإعلام أو البترول أو أى مجال آخر أو هؤلاء الذين ضيعت فرصهم استلاباً وظلماً فى توزيعات كالأراضى أو العقارات، إن مثل هؤلاء المهدرة حقوقهم ناقمون ولن يعملوا بإخلاص، وتقابل أحدهم بعد عشرات السنين هم وأهلهم وبعدما تغيرت حياتهم فلا ينسون أن يحدثوك عن عملية الظلم والنهب التى تعرضوا لها والنجاح العظيم والمجد الذى فاتهم ويصبون على البلاد جزءاً من عدائهم الدفين الذى صنعه الظالمون، وهنا صارت السياسة على غير المفترض أن تكون لخير وسعادة الشعب، وإنما لخير جماعة الحكم فقط. إن الديمقراطية حتمية لتحقيق المساواة والعدالة بين المواطنين، والعدل نتيجته السعادة والطمأنينة والأمن، وهذا ثمر الحرية، وبغير هذا لن تتحقق تنمية ولن يتحقق سلام اجتماعى ولن ينمو استقرار وإن شُبه لهم. إن التسليم بالواقع ظاهرى ولكن ما فى قلوب المصريين وما هو مختزن فى ذاكرتهم وعقولهم، يتحكم فى أياديهم وفى عملها بطئاً وسرعة، إنجازاً وتعطيلاً. إن التسليم الحقيقى يكون بالعمل الحقيقى المخلص وهو ما لا نراه للأسف، وعلينا أن نراجع منهج الحكم الديمقراطى الرشيد كما هو فى بلدان نمت وتقدمت فنتبعه ولا بديل أمامنا غير ذلك، لمنفعة البلاد وكل الشعب وليس بعضاً منه، فالديمقراطية ليست مستحيلة إلا للمنتفعين من غيابها.