منذ بداية الأزمة في 2010، تنتقد اليونان ما تعتبره هيمنة ألمانيا، لكن النزاع يعود بجذوره للقرن التاسع عشر، عندما اعتلى عرش اليونان ملك بافاري. ليس جهاز الدولة اليونانية الذي يتحدث اللغة الألمانية، والجريدة الرسمية المنشورة باللغة الألمانية، والمهندسون الألمان المكلفون ببناء أثينا، الكابوس الذي يقض مضجع رئيس الوزراء الرافض سياسة التقشف ألكسيس تسيبراس، بل ما ترويه كتب التاريخ عن السنوات الأولى لاستقلال اليونان. في 1830، بعد 4 قرون من الهيمنة العثمانية، باتت اليونان دولة مستقلة تحت رعاية القوى العظمى الثلاث فرنسا وبريطانيا وروسيا، التي "فرضت عليها ملكا ألمانيا مطلق الصلاحية"، كما قال المؤرخ أوليفييه ديبلورم لوكالة "فرانس برس". كانت الألمانية لغة المحكمة اليونانية، ولم يعين الوزراء التابعون "إلا لتطبيق ما يمليه عليهم البافاريون"، حتى أنه انتشر في اليونان تعبير يصف تلك الفترة ب"البفاروقراطية"، ومنذ 5 سنوات، تنادى اليونانيون الذين تقلصت رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية لتنظيم مظاهرات صاخبة تحت نوافذ البرلمان في ساحة سينتاغما، وكان المهندس الرسمي لبلاط بافاريا رسم خرائط هذا المبنى الذي بات رمزا لغضب الشعب من تدابير التقشف التي أملتها أوروبا. ومن سخرية القدر، أن تعلن اليونان إفلاسها في 1898 وتستنجد بالبلدان الدائنة، ويشكل الاحتلال النازي لليونان من 1941 إلى 1944 صدمة كبيرة أخرى، لأنها أدت إلى "أعمال عنف وحشية"، حيث أغرق جنود هتلر اليونان بالنار والدم، واصطدموا بالمقاومة الشرسة لليونانيين، وتسببوا في مجاعة كبيرة، كما قال المؤرخ اليوناني-الألماني هاغن فليشر، وأضاف "خلال الشتاء الأول توفى 100 ألف يوناني على الأقل من الجوع"، وأرسل أكثر من 50 ألف يهودي يوناني إلى غرف الغاز. تعددت المجازر في القرى، كمجزرة ديستومو التي قضى فيها 218 شخصا في 20 يونيو 1944 في اليوم نفسه لمجزرة أورادور سور غلان في فرنسا، ولم تدفع ألمانيا تعويضات عن تلك الجرائم التي وقعت في اليونان، كما قال هاغن فليشر، فيما تطالب حكومة تسيبراس اليوم بتعويضات، معتبرة أنها "واجب حيال تاريخنا وحيال المقاتلات والمقاتلين في العالم أجمع الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الانتصار على النازية". وزير العدل نيكوس باراسكيفوبولوس هدد بوضع اليد على الأرصدة الألمانية واعتبارها تعويضات، وقد خلفت هذه المعاناة ندوبا وأوحت بالرسوم الكاريكاتورية لأنجيلا ميركل، التي صورت على شكل هتلر خلال أزمة الديون، لكن ألمانيا أرض لجوء لليونانيين الذين يعيش أكثر من 300 ألف منهم بين هامبورغ وميونيخ. وفي الستينيات والسبعينيات، شارك عمال أتوا من المورة (بيلوبونيز) أو من مقدونيا، في تشغيل شبكات الإنتاج التي تصنع سيارات فولكسفاجن ومرسيدس، واليوم يأتي أطباء شبان ومهندسون يونانيون إلى ألمانيا هربا من آفة البطالة.