تعيش القارة الأوروبية منذ فترة على وقع العديد من الأزمات الاقتصادية التي أثرت على اقتصاديات أكبر بلدانها، وتعد ألمانيا الناجي الوحيد من هذه الأزمات، إلا أن إيطاليا استطاعت تحقيق خطوة هامة نحو تقليص ديونها والسير نحو الانفراج الاقتصادي بعد التقدم الذي أحرزته حكومة رينزي في مجال إصلاح أنظمة العمالة والضرائب والعدالة، فضلا عن المؤسسات السياسية، وقد راهن “رينزي” على المصداقية في حل تلك القضايا وتعرض لضغوطات جمة من داخل الاتحاد الأوروبي للقيام بها. ويبدو أن ألمانيا اختارت إيطاليا لتكون حليفتها الإستراتيجية في القارة العجوز ربما لأسباب تاريخية أو ربما للنجاح الذي يحققه ماتيو رينزي من خلال الخطوات العملية التي يخطوها نحو السير بالاقتصاد الإيطالي إلى بر الأمان خاصة في سداد الديون. وفي ظل الصراعات والأزمات التي تعيشها القارة العجوز، خاصة بعد عملية الشد والجذب مع العملاق الروسي إثر الأزمة الأوكرانية التي قسمت البلاد بين شق موالي للغرب وآخر موال لروسيا، وفي ظل الخطوة التي قامت بها روسيا من تغيير مسار إمداد الغاز نحو أوروبا من أوكرانيا إلى مده عبر تركيا وتهديدها في خطوة ثانية بقطع الغاز على أوروبا جراء فرض عقوبات أمريكية وأوروبية على موسكو، وفي ظل الدور المتنامي لألمانيا في فرض هذه العقوبات، يبدو من الواضح أن أوروبا بصدد إعادة إنتاج تحالفاتها القديمة. لم يتوقف مجال صراع النفوذ عند هذا الحد، إذ أبرزت الانتخابات اليونانية فصلا جديدا في مسلسل الصراع وصل إلى الحد الذي اعتبر فيه أحد السياسيين الأوروبيين فوز حزب “سيريزا” بمثابة الصدمة للاتحاد الأوروبي وبالخصوص للمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” والتي يرى البعض أن اليونانيين صوتوا ضدها تحديدا، وضد السياسة التقشفية الأوروبية. لقد أرعبت نتائج الانتخابات في اليونان الاتحاد الأوروبي وساد حديث حول مغادرة الأخيرة للاتحاد وهو ما صوت ضده اليونانيون بنسبة 75%، أما إذا ما غادرت اليونان فقد يعني ذلك بداية سقوط بيادق اللعبة الواحد تلو الآخر، إذ أن العديد من الشعوب في أوروبا ملوا من السياسة التي يفرضها الاتحاد والتي يرون فيها أنها لا تصب إلا في مصلحة البنوك وأقطاب المال والأعمال. وفي هذا السياق، قال موقع “جلوبال ريسيرش” البحثي إن اليونان قد انتخبت رئيس وزراء جديد، وهو “اليكسيس تسيبراس”، وأول قرار أعلنه هو الحصول على المال المستحق من ألمانيا في إطار الأموال الغير مدفوعة كتعويضات عن الحرب العالمية الثانية، والخسائر التي تكبدتها اليونان. ويوضح الموقع أن “تسيبراس” هو جزء من الجناح اليساري لحزب سيريزا، وهو الحزب الذي يرى أن ألمانيا في حاجة للتكفير عن ماضيها في حق اليونان، وفي خطوة لرمزية تجاه هذا الشعور، زار رئيس الوزراء الجديد نطاق بندقية قيصرياني، لتكريم نحو 200 من النشطاء اليونانيين الذين تم اغتيالهم على يد الجنود النازيين في عام 1944. ويشير الموقع الكندي إلى دراسة منذ عامين، توضح أن ألمانيا لا تزال تدين لليونان بنحو 200 مليار دولار أمريكي، نتيجة الأضرار التي تكبدتها خلال الاحتلال النازي، بما في ذلك تكلفة إعادة بناء البنية التحتية للبلاد. ويضيف “جلوبال ريسيرش” أن دراسة أخرى كشفت عن أن ألمانيا تدين لليونان بمبلغ أكبر من ذلك بكثير، وقدرت مجموعة يونانية المبلغ بنحو 667 مليار دولار، ويبدو أن المسؤولين الألمان على اتصال بنظرائهم اليونانيين لمنحهم التعويضات. ويرى الموقع أن من وجهة النظر الأخلاقية على المانيا سداد هذه التعويضات القديمة، ونتائج الدمار التي خلفها الاحتلال النازي للبلاد، حيث تجويع نحو 300 ألف يوناني خلال الحرب العالمية الثانية، فضلا عن القتل الجماعي للمواطنيين خلال تلك الفترة. ويلفت الموقع إلى حالة الفوضى المطلقة التي تعيشها اليونان وسط ارتفاع نسبة البطالة إلى 27%، فعلى ألمانيا دفع هذه الأموال لليونان، والجميع يدرك اليوم أن ألمانيا الحالية ليست التي كانت تحت حكم “هتلر”، حيث ترى القيادة الحالية أن الحركة النازية تعد وصمة داكنة على تاريخها، ولكن ألمانيا وافقت بالفعل على الصفقة، وعليها تكريم اتفاقها.