فى 3 فبراير الماضى نشرت هنا مقالاً بعنوان «منهج اللغة العربية هو القاتل»، حاولت فيه إلقاء الضوء على الأرض الخصبة التى تنمو فيها النبتة السوداء للفكر المتطرف، خاصة أن الربط التعسفى بين الفقر والجهل والإرهاب لم يعد مقنعاً لأحد، بدليل أن كثيراً من منفذى التفجيرات الانتحارية والقتلة ينتمون لأسر غنية، ومنهم من يحمل شهادات جامعية فى الطب والهندسة والحقوق، وكان مقصدى الأساسى أن منهج اللغة العربية هو أكثر المناهج ترسيخاً للطائفية والتمييز الذى يتطور فيما بعد إلى قنابل وأحزمة ناسفة وسيارات مفخخة. وتفضلت وزارة التربية والتعليم، مشكورة، بإرسال خطاب إلى إدارة تحرير «الوطن»، بتاريخ 3 مارس الحالى، جاء فيه نصاً: «نحيط سيادتكم علماً بأن هذا الموضوع كان محل اهتمام الوزارة، وقد أفادنا الأستاذ الدكتور مستشار اللغة العربية بأن ما ورد كلام مرسل ولا دليل عليه، ولم يذكر الكاتب شاهداً واحداً على ما يقول، كما أن الوزارة لا تألو جهداً فى مراجعة المناهج بصفة مستمرة». استندت الوزارة إذن إلى إفادة الأستاذ الدكتور مستشار اللغة العربية، لكنها حتى لم تذكر لنا اسمه، فهذا الرجل الذى برّأ نفسه ووزارته من تهمة رعاية التطرف هو نفسه الذى أجاز كتاب اللغة العربية للصف الثالث الابتدائى متضمناً درس «نهاية الصقور» الذى يحكى قصة داعشية عن خطة العصافير لحرق الصقور أحياء، ثم الاحتفال بغناء «نشيد بلادى». الأمثلة كثيرة على تطرف مناهج اللغة العربية فى معظم المراحل التعليمية، والمنظومة نفسها بحاجة إلى ثورة حقيقية. على سبيل المثال، فإن مدرس اللغة العربية هو نفسه مدرس التربية الدينية، وفى حصة الدين ما زالت سياسة التعليم المصرى تجبر التلميذ المسيحى على الخروج من الفصل إلى أى «حتة» ليأخذ حصته الدينية. من تلك اللحظة تنغرس فى روح وعقل ووجدان الطفل «المسلم والمسيحى» أول جرعة سم، يعودون بعدها إلى حصصهم وبينهم حوائط هائلة لا تنهدم أبداً، كلاهما ينظر إلى الآخر باعتباره «كافراً». فى العام 2005 نشر الباحث البارز الدكتور كمال مغيث دراسة مهمة بعنوان «التعليم والثقافة بين الجمود والتغيير»، قال فيها نصاً: «وقد شهدت فترات سابقة تحول كثير من المدارس إلى أوكار للتطرف، حيث أُلغى النشيد الوطنى كما أُلغيت تحية العلم، وللحق فقد سعت وزارة التعليم إلى القضاء على تلك المظاهر ومحاصرة كل أشكال التطرف فى التعليم، وشُكلت اللجان لتطوير المناهج الدراسية، ورغم ذلك فما زال كثير من المناهج يدعو للتطرف الدينى ويحض عليه. فكتب اللغة العربية تحتوى على الكثير من الموضوعات التى تنطلق مباشرة من التراث الإسلامى، مسبوقة بفعل الأمر «احفظ»، هذا على الرغم من أن الكتب مقررة على المسلمين والأقباط جميعاً. وتدعو كتب التربية الدينية الإسلامية لما يتنافى مع قيم التسامح وقبول الآخر ونبذ العنف واحتقار العلم». وسأكتفى بهذا المقطع من دراسة الدكتور كمال مغيث، فالمساحة هنا لا تكفى لكشف مساحة الشر الموجودة فى المناهج.