على أورمة التقطيع، ووسط اللحوم المعلقة للعرض، والخراف التي تقف منتظرة الذبح، في الرصيف المجاور لمزلقان أرض اللواء، ينزل السكين بحرفية شديدة ليفصل اللحم إلى قطع متساوية، بمهارة لا تجدها في جزار محترف، وتفاجأ عندما تقترب شيئاً فشيئاً، أن من يمسك بالسكين، ويقطع اللحم، ويلفه للزبائن بكل حرفية، هي "أم محمد". تقول مبتسمة "ورثت الجزارة عن أبويا وجدي وشربت الصنعة منهم"، وترفع السكين، لتقطع لأحد الزبائن ما اشتهى أن يأكله هو وأولاده في عيد الأضحى، فهي من عائلة "كلها جزارين"، وتعلمت المهنة مع ثلاثة من أشقائها الرجال، فتذبح وتسلخ وتقطع لحوم الخراف والعجول، وتزن وتبيع دون خجل من كونها امرأة، وتنافس الرجال فيما يعملون. " أم محمد" كانت تعمل قبل زواجها بمحل والدها، ولكن بعد أن تزوجت، تركت الجزارة، إلا أنها تجد في عيد الأضحى، فرصة للعودة إلى السكين والساطور، وتستعيد أيام الشباب في فرح شديد، وتساعد أشقائها، وتقول "الأعياد والمواسم فرصة أني أمسك السكينة وأرجع للسوق واتعامل مع زباين زي العسل". تقول أم محمد "أسعار اللحوم عندنا أرخص من أي مكان وخلي الفقير يأكل"، كلمات تسوّق بها جَزارة أرض اللواء للحمة، وتنادي بها الزبائن القادمين إليها، وبعدها تقف في وسط أشقائها، وعلى وجهها ابتسامة عريضة، وصوت عالٍ مبهج "كل سنة وأنتم طيبين".