نظراً لما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية فى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، فقد توقع البعض فى الآونة الأخيرة - بناءً على الكثير من المؤشرات التى تشير إلى تدهور الوضع الاقتصادى المصرى - وصول الاقتصاد المصرى إلى حالة الإفلاس. بالنظر إلى الوضع الاقتصادى الحالى فإن جميع الشواهد تشير إلى أن الاقتصاد فى حالة تدهور مستمر سواء نتيجة تدهور مخزون الاحتياطى النقدى الأجنبى لدى البنك المركزى أو بسبب تراجع الاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر، إلى غير ذلك من المؤشرات. ولكن هل يمكن أن يؤدى هذا إلى إفلاس الدولة؟! من الناحية المالية، تختلف الدولة فى إدراة مالياتها عن الشركات. فمن الممكن أن تمر الدولة بأزمة مالية واقتصادية تؤدى إلى زيادة عجز الموازنة بالإضافة إلى تدهور المؤشرات الاقتصادية الأخرى، ولكن لا يمكن أن تصل الدولة عملياً إلى وضع الإفلاس العام. حيث إن الدولة لديها العديد من الممتلكات والمنشآت العامة التى يمكن التصرف فيها بأشكال مختلفة لتغطية احتياجاتها وعجزها العام سواء عن طريق بيع بعض الأصول أو الاقتراض لفترات طويلة أو اتخاذ إجراءات تقشفية قاسية. ولذلك فإن القول بأن مصر أفلست أو أوشكت على الإفلاس غير صحيح. وعلى الرغم من أن الوضع الاقتصادى ظل فى تدهور مستمر على مدار العام الماضى وحتى الآن، فإن الوضع لم يخرج عن السيطرة بالكامل، حيث يمكن العمل على إيجاد آليات للخروج من الأزمة عن طريق إدخال بعض الإصلاحات السريعة التى من شأنها إعادة ثقة المستثمرين وإرسال مؤشرات ايجابية للأفراد والأسواق لتحفيزهم على الاستثمار من جديد ومن ثم تنشيط حركة الاقتصاد. إذا كنا لم نصل إلى حد الإفلاس وإذا كانت الإجراءات قصيرة المدى واضحة وفعالة، فلماذا لا نتحرك نحو تطبيق هذه الإجراءات؟! الإجابة واضحة بالنسبة للاقتصاديين، حيث إن هذه الاجراءات السريعة لا تلاقى قبولاً شعبياً على الإطلاق، لأن آثارها على عامة الشعب فى المدى القصير سيئة ومن الممكن ألا يتقبلها الشعب الذى يرى أن الكثير من طموحاته وآماله من الثورة لم تتحقق بعد حتى الآن. أما بالنسبة للسياسيين، فالاهتمام الآن منصبّ على الانتخابات والدستور، بينما يظل الوضع الاقتصادى فى تدهور. أما بالنسبة للحكومة فهى فى حالة شلل تام وتقف عاجزة عن اتخاذ أى قرارت. وبغض النظر عن حسن أو سوء نية الحكومة فى ذلك فإن هذه الحالة من الشلل تزيد من تدهور الوضع الاقتصادى الذى يتحمل تبعاته فى النهاية الشعب سواء على المدى القصير أو البعيد. لذلك فإنه من الضرورى أن تحدث توعية لعامة الشعب بواقع الوضع الاقتصادى دون استهانة أو مبالغة، لأن الشعب وحده هو الذى يستطيع الضغط على الأحزاب السياسية والهيئات الحكومية من خلال الإعلام والحوارات المجتمعية من أجل اتباع أجندة إصلاح شاملة ومتوازنة تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تُحقق آمال الشعب بعد الثورة.