هنا صعدت أرواح طاهرة إلى ربها، فى هذا الممر الحديدى الضيق، حيث تناثرت ملابس ممزقة وأحذية عليها آثار دماء، نظارة مكسورة لأحد الضحايا، وقنبلة غاز فارغة.. الممر محاط بسور خرسانى من الجانبين، يعلوه سور حديدى آخر، يمتد من الشارع لمحور المشير طنطاوى، حتى داخل استاد الدفاع الجوى بالقاهرة الجديدة. حينما تدافعت الجماهير لدخول الاستاد حاول كل مشجع النجاة بنفسه، لكن الموت حال دون ذلك، ووقع من وقع مغشياً عليه ليلتقط أنفاسه الأخيرة، ومنهم من نجا من «ممر الموت».. عدد كبير من سيارات الإسعاف تجمعت أمام ملعب الدفاع الجوى، ومدرعات الشرطة تقف بجانب السور الخلفى، المباراة ما زالت مستمرة، جماهير تحتشد أمام ملعب كرة قدم، جاءوا من كل مكان، ليشجعوا فريقهم المفضل. إنهم أعضاء رابطة «وايت نايتس»، مع موعد لحضور مباراة الزمالك فى مواجهة إنبى على ملعب ستاد الدفاع الجوى، آلاف من الجماهير خارج الاستاد، وتجمع لقوات الأمن من أجل تأمين المباراة، لكن المباراة بدأت مبكراً قبل صافرة الحكم داخل الملعب. يروى شاب عشرينى، جاء لحضور المباراة: «حضرت المجزرة من أرض الواقع، وأقسم بالله كل كلمة هقولها حصلت وربنا هو اللى هيحاسبنى». يقول محمد حسن: «كل مشجع كان واقف فى انتظار دوره لدخول المباراة، فى ممر لا يزيد عرضه على 10 أمتار، نقف فى انتظار اللحظة التى جاءت، حتى نعود إلى تشجيع فريقنا مرة أخرى، بعد منع حضور الجماهير منذ مذبحة استاد بورسعيد». ويضيف «محمد»: «الزحام كان بصورة كبيرة، حتى إنك لا تستطيع رؤية الأسفلت من كثرة الأقدام، وسرعان ما وقع أحد المشجعين على الأرض نتيجة ضيق التنفس والزحام، وحاول البعض الآخر إبعاد الناس حتى لا يسير عليه أحد، وفى ذلك الوقت أشعل أحد الجماهير (شمروخ) من أجل الإنارة، وفى تلك اللحظة، قامت قوات الأمن بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، وسط هذا العدد الهائل من الجماهير، كنا واقفين نضحك ونهتف ونصور، وفجأة بقينا وسط الموت». يروى «محمد» أن الداخلية ظلت تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع لفترة طويلة، وحاول الكثير الهروب، لكن لا مجال ولا طريق مفتوح أمامهم، لا طريق سوى تسلق السور، الذى يرتفع عن الأرض 3 أمتار، أو السقوط على الأرض، وسط محاولات الهروب من الموت، يقول: «الناس بتنطق الشهادة، وأنا واحد من الناس فضلت أتشاهد، لأنى كنت حاسس إن عمرى خلاص، ناس واقعة مش بتنطق، مش عارف دول ميتين ولا عايشين، واللى يقولك أبوس رجلك ساعدنى، حاولت أساعد لقيت نفسى محتاج المساعدة». يقول «محمد»: «كنت أمسك بيد صديقى، من كثرة الزحام والتدافع من أجل الهروب، تفرقنا عن بعضنا البعض، وقبل أن نفترق قلت له: لو بعدنا عن بعض خلينا نتقابل عند العربية».. ويستكمل الشاب الذى يملأ صوته الحزن، بعد أن بكى بشدة، من هول ما رأى: «أنا رايح عند العربية اللى كانت راكنة عند الأمن المركزى، أنا متردد أروح ولا هيضربونى، تحركت فى اتجاههم، لقيتهم جايين عليّا عايزين يضربونى، قلت لهم العربية هنا، الضابط زعق ليّا، وقال لى: طيب اجرى مشوفكش بتمشى، جريت خفيف كده، عشان لقيت العساكر بتجرى ورايا عشان يضربونى، وهما يقولوا مش الباشا قالك اجرى». عقب ذلك بعدة دقائق، رأى محمد صديقه، بعد قلق وتفكير، هل هو فى عداد الموتى أم أنه حى، عانق كل منهما الآخر وبكيا: «لم نكن نصدق أننا سنلتقى مرة أخرى»، ويروى «محمد» أنه رأى شاباً صغيراً يجلس منهاراً من البكاء، قائلاً: «يا ترى يا محمد إنت عايش ولا مت»، ورجل يصرخ: «بنتى يا ناس ضاعت منى، يا ناس بنتى». ويضيف «محمد»: «الداخلية تقول إن سبب الوفاة يرجع إلى التدافع، وإن هناك جماهير حاولت دخول الملعب دون تذاكر، اشمعنى المرة دى اللى بيقول ليهم فين التذاكر، أنا نفسى بعد ما رجعت تانى بعد الضرب محدش طلب تذكرة، رغم إنه كان معايا واحدة». ملف خاص: تبادل الاتهامات بين الزمالك والألتراس حول الكارثة 4 مشاهد لجماهير الزمالك: احتشاد واشتباكات وقنابل وجثث صحف العالم تسلط الضوء على المأساة: كرة القدم المصرية تعانى من الدم أسرة «يوسف»: لا عزاء حتى القصاص.. و«زغرودة» لأم الشهيد ذهب للبحث عن ابنه داخل المشرحة.. ففوجئ به حياً يبحث عن أصدقائه وداع الشهداء بهتافات القصاص «الداخلية» أطلقت علينا «الغاز».. وفضت 2000 مشجع فى 5 دقائق الإخوان يستغلون دماء «الدفاع الجوى» للتحريض على العنف