قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم، إن "عشرات المصريين توفوا في عهدة الحكومة في 2014، مع تكدس الكثيرين منهم في أقسام الشرطة في ظروف تهدد الحياة"، ومع ذلك لم تتخذ السلطات خطوات جدية لتحسين ظروف الاحتجاز أو للتحقيق المستقل في وفيات المحتجزين. وأشارت المنظمة إلى أن بعض المحتجزين "توفوا بعد التعرض للتعذيب أو الإساءة البدنية"، لكن الكثيرين توفوا على ما يبدو لاحتجازهم في زنازين شديدة الاكتظاظ، أو عدم حصولهم على الرعاية الطبية الكافية في أمراض خطيرة. وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، "تفيض السجون وأقسام الشرطة في مصر بأنصار المعارضة الذين اعتقلتهم السلطات، فيجري احتجاز الأشخاص في ظروف لا إنسانية من الاكتظاظ الشديد، والنتيجة المتوقعة هي حصيلة الوفيات المتصاعدة". ووثقت رايتس ووتش، على نحو مستقل 9 وفيات أثناء الاحتجاز منذ منتصف 2013 استناداً إلى أدلة قدمها أقارب الضحايا ومحاموهم، علاوة على شهادات طبية، وفي إحدى الحالات، بدا أن المحتجز تعرض للضرب ثم توفي في زنزانة شديدة الاكتظاظ بقسم شرطة، وفي بقية الحالات، كان المحتجزون مصابين بأمراض القلب، أو السرطان، أو غيرها، وحرموا إما من العلاج الطبي الضروري، أو من الإفراج لأسباب صحية، وفي بعض الحالات تم احتجازهم في ظروف من الاكتظاظ أدت إلى تفاقم مشاكلهم الصحية. وأضافت المنظمة، أن حملة اعتقالات موسعة، المستهدفة للإخوان المسلمين، الذين أعلنتهم الحكومة تنظيماً إرهابياً، وغيرهم من معارضي حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أدت إلى الضغط على السجون المصرية، ودفع تدفق عشرات الآلاف من الأشخاص بالسلطات إلى إيواء العديد من المشتبه بهم في مرافق احتجاز مؤقتة. وبحسب تحقيق نشرته "الوطن" في ديسمبر الماضي، واستند إلى إحصائيات لمصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل، توفي ما لا يقل عن 90 محتجزاً في مرافق الشرطة في محافظتي القاهرة، والجيزة، وحدهما أثناء الاحتجاز في الشهور العشرة والنصف الأولى من 2014. ووجد تقرير لمركز النديم، لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، وهو منظمة غير حكومية مصرية، تولى فحص المئة يوم الأولى من حكم السيسي، أن ما لا يقل عن 35 شخصاً توفوا أثناء الاحتجاز ومعظمهم في أقسام الشرطة بين أوائل يونيو، وأوائل سبتمبر، وفي الحالات ال15 التي حدد المركز فيها سبب الوفاة، انطوت 13 منها على الاكتظاظ، أو الإخفاق في توفير الرعاية الطبية، وانطوت اثنتان على الإساءة البدنية. ولم تكشف الحكومة عن أعداد الوفيات أثناء الاحتجاز على مستوى البلاد، لكن الأعداد التي سجلتها مصلحة الطب الشرعي في القاهرة، والجيزة كانت تمثل زيادة تقترب من 40 بالمئة مقارنة بالوفيات ال65 التي سجلتها المصلحة نفسها في 2013، بحسب تقرير "الوطن". وكانت "الوطن" نقلت عن هشام عبدالحميد، الناطق باسم مصلحة الطب الشرعي، قوله إن الاكتظاظ بسبب موجة المحتجزين الجدد هو السبب الأساسي في ارتفاع الوفيات، كما انتظمت منظمات إخبارية على نقل أخبار حالات الوفاة في مقرات الاحتجاز بمحافظات أخرى، ما يوحي بأن العدد الإجمالي على المستوى الوطني قد يكون أعلى بكثير. والسلطات المصرية ملزمة بموجب القانون الدولي بتوفير نفس مستويات الرعاية الصحية للمحتجزين، ومطلقي السراح على السواء، وبموجب المعايير الدولية لا ينبغي استخدام الحبس الاحتياطي إلا كإجراء أخير. أما المادة 55 من الدستور المصري، تحظر تعذيب المحتجزين أو الإساءة إليهم بدنياً، وتلزم السلطات بمعاملة كل محتجز "بما يحفظ عليه كرامته" واحتجازه في مرافق "لائقة إنسانياً وصحياً". وتقرر المادة أن مخالفة هذه الأحكام جريمة. كما تقرر المادة 56 أن السجون وأماكن الاحتجاز تخضع للإشراف القضائي، و"يحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان أو يعرض صحته للخطر". وأضاف التقرير أنه "رغم العدد المتصاعد من الوفيات والتقارير واسعة الانتشار عن إساءة المعاملة وغياب الرعاية الطبية والاكتظاظ الشديد، إلا أن النيابة لم تتقدم ضد الشرطة إلا بقضية واحدة مرتبطة بوفاة محتجزين منذ منتصف 2013". وأوضح أن القضية نبعت من واقعة في 18 أغسطس الماضي، توفي فيها 37 محتجزاً بعد قيام الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع داخل عربة ترحيلات كانوا محبوسين فيها بسجن أبو زعبل، وأدان أحد القضاة 4 من رجال الشرطة، لكن محكمة الاستئناف أمرت في يوليو بإعادة محاكمتهم، وتقررت الجلسة التالية في 22 يناير. وقال أحد السجناء، في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش تم تهريبها من سجن طرة، في مارس الماضي، إن فرق النيابة كانت تزور السجون لكنها رفضت الاستماع إلى شكاوى السجناء، وقال السجين: "كل ما فعلوه هو دخول كل زنزانة وإلقاء نظرة سريعة، وإحصاء الأسرّة وتدوين الأسماء بكل زنزانة"-حسب المنظمة-. وقالت هيومن رايتس ووتش، إن على السلطات التحقيق في حالات الوفاة أثناء الاحتجاز، وملاحقة رجال الشرطة، وغيرهم من المسؤولين المشتبه في ارتكابهم للإهمال أو الانتهاكات، وعلى النائب العام المصري الإفراج عن جميع المحتجزين لمجرد ممارسة حقوقهم المكفولة دستورياً في التظاهر السلمي أو التعبير عن الرأي السياسي، كما يجب على النائب العام استحداث عملية لمراجعة ممارسات الحبس الاحتياطي، مع استبعاده مبدئياً في جميع الحالات، وضمان الإفراج الفوري عن جميع المحتاجين إلى رعاية طبية غير متاحة في الاحتجاز. وقالت ويتسن، إن السلطات المصرية راضية عن نفسها إلى حد صادم، في وجه هذا العدد الكبير من وفيات المحتجزين، وعليها أن تضمن التحقيق المستقل في جميع تلك الوفيات، وفي مزاعم الانتهاكات، وإقرار وإنفاذ ضمانات فعالة لحماية كل من يوجد في عهدة الدولة.