فى نهار الصيف الحار نتصبب عرقاً، نسير ونلهث عطشاً، فى ليالى الشتاء الباردة نسير ونرتجف جوعاً وبرداً.. كلانا يعيش فى شقاء ويشعر أنه أسير». كلمات كان الجمل يرددها دائماً لصديقه الحمار وهما فى طريقهما للمزرعة التى يعيشان فيها مع باقى الحيوانات، جلس الجمل وبجانبه الحمار يتأملان البقرة، قال الحمار: «ليتنا مثلك يا بقرة، تعيشين فى راحة وكسل وسعادة»، ضحك الجمل ساخراً وقال للبقرة: «يأتيكِ الطعام والماء من دون جهد أو تعب»، تنهدت البقرة فى حزن قائلة: «أى سعادة تتحدثون عنها؟ صحيح أنا لا أعانى مثلكم لكنى فى نفس الوقت أتمنى أن أكون مثلكم، أخرج للدنيا، أشعر بالحر، تنعشنى نسمة هواء باردة فى ليالى الصيف، أحن لدفء أشعة الشمس الذهبية فى نهار الشتاء، أنا هنا وحيدة، أسيرة، أحيانا لا أشعر بأى رغبة فى تناول الطعام، لكنى آكل بالأمر حتى لا يقل اللبن الذى يصنع منه صاحب المزرعة الجبن والزبد ليبيعهما فى السوق». ضحك الحمار قائلاً: «وأنا أحمل الجبن والزبد وأسير مسافة طويلة يا صديقتى حتى أصل إلى السوق، أرجوكِ لا تأكلى كثيراً حتى لا يكون الحمل ثقيلاً علىّ»، ضحكت البقرة الطيبة من كلام الحمار، أما الجمل فكان شارداً لم يشترك فى الحوار، ينظر للسماء يتأمل القمر الفضى الحالم والنجوم تتلألأ حوله، وفجأة شق سكون الليل تغريد الكروان، هز الحمار أذنيه فى أسى وقال: «ما أسعدك يا كروان! تطير حراً فرحاناً»، قال الجمل: «من مثل الكروان يشعر بالحرية والأمان؟». فى اليوم التالى كان الجمل يحمل أجولة ثقيلة ويسير بجانبه الحمار وهو يحمل جوالين من الملح، وعند النهر افترق الاثنان كلٌّ فى طريقه.. اقترب الحمار من النهر ليشرب فانزلقت قدمه ووقع فى النهر، وبالطبع ذاب الملح الذى يحمله فى مياه النهر، وعندما نهض لم يشعر بأى ثقل فقفز من السعادة واحتفظ بهذا السر منتظراً صديقه الجمل، فى المساء حكى الحمار ما حدث للجمل الذى ضحك ساخراً وقال: «صدفة، ما حدث يا صديقى مجرد صدفة، من يضمن لك أن الجوال سيكون مملوءاً بالملح فى كل مرة، لا بد أن نجد حلاً لمشكلتنا»، رد الحمار بثقة: «لكنى لم أشعر اليوم بأى تعب»، قال الجمل: «أنا أفكر فى خطة تنقذنا معاً للأبد»، تساءل الحمار بدهشة: «خطة؟!». قال الجمل بثقة: «ستعرف فى الغد، وإن غداً لناظره قريب»، قال الحمار: «كلامك اليوم يا صديقى عجيب وغريب». أشرقت الشمس وحمل الحمار جوالين جديدين واتجه مسرعاً نحو النهر وتعمد أن يسقط فى المياه، ولكنه لم يستطع أن ينهض بسهولة هذه المرة بل شعر بثقل أكبر، كان الجوالان محملين بقطع الإسفنج الذى تشبع بالماء فثقل وزنه وازداد حجمه. نهض الحمار وسار ببطء وهو يشعر بألم شديد فى سيقانه، وعندما عاد للمزرعة قال للجمل: «معك حق يا صديقى، النهر ليس الحل»، رد الجمل بثقة: «النهر هو الحل، سنعبر مياه النهر الضحلة ونتجه للشاطئ الآخر ونهرب». رد الحمار فى فزع: «نهرب! إذا هربنا سنخسر كل شئ»، قال الجمل: «بل سنكسب كل شىء وأهم شىء، حريتنا يا صديقى.. نصحو وننام كيفما نشاء»، تساءل الحمار فى قلق: «وكيف سنحصل على الطعام؟»، رد الجمل: «الطعام ليس كل شىء، تذكر ما قالته البقرة التى تجد الطعام دائما لكنها تتمنى لحظة تنعم فيها بالحرية»، قال الحمار وهو ينظر لسنام الجمل: «الفضل لهذا السنام الذى يحميك من الجوع والعطش»، قال الجمل: «العطش الحقيقى هو عطشى للحرية التى منحها الله لكل الكائنات». عبر الجمل والحمار النهر ووصلا إلى الشاطئ الآخر، كان الجمل سعيداً بينما الحمار بدا عليه التعب وشعر بالجوع والعطش.. ضحك الجمل وقال وهو يستنشق الهواء: «هواء الحرية ليس كأى هواء، هو للروح شفاء»، قال الحمار ساخراً: «الغذاء أهم من الهواء.. معذرة يا صديقى، لقد نسيت شيئاً مهماً فى المزرعة، من غيره لا أشعر بالأمان»، قال الجمل: «سآتى معك، لن أتركك تعود وحدك، لكن ما الشىء الذى من دونه لن تشعر بالأمان؟»، رد الحمار: «اللجام»، قال الجمل بدهشة: «اللجام.. ما هذا الكلام؟! اللجام يعنى القيد والأسر، الحرية يا صديقى إحساس وإرادة، وما دمت تفكر فى اللجام لن تشعر أبداً بقيمتها وستظل مهاناً على الدوام».