احتياج الرئيس لظهير سياسى لا يعنى على الإطلاق مطالبته بتشكيل حزب يتبعه، أو تبنّيه لحزب يؤيده، إنما يعنى، وبالأساس، أن الدولة نفسها فى حاجة إلى ظهير سياسى يدعم خطواتها ويساند إجراءاتها ويدعو لها بين الناس ويحثهم على مساعدتها فى إنجاح خططها وبرامجها التنموية. لا دولة بلا ظهير سياسى من ورائها، لأنه -الظهير السياسى- أداتها فى التعامل مع المواطن، وفى الدولة الحديثة هو جزء أساسى من مكونات الدولة، ويمثل العمق الاجتماعى فى الترويج لها، وبدونه تصبح الدولة مجرد دولة موظفين وجهاز إدارى، ويتحول الحكم فيها إلى حكم بيروقراطى. الأحزاب تكون الظهير السياسى المطلوب، ودعم الرئيس للأحزاب يسهم فى خلق الأدوات السياسية المطلوبة لدعم نظام الدولة، وتأسيس دور رقابى شعبى، وأدوات قادرة على حشد الجهود الشعبية بعيداً عن نظام الأوامر، فعملية الإنتاج المطلوبة والخروج بالاقتصاد المحلى من أزماته لا تتم من خلال جهاز الدولة وحده، وإنما بتفاعل شعبى واسع لا يحتاج الخطب أو الشعارات قدر ما يحتاج إلى وجود وتفاعل متواصل يومى، يحيل المشاعر الشعبية إلى طاقة مشاركة وعمل. الحقيقة أننا نعيش مرحلة تحتاج من جميع الأطراف الفاعلة تغييراً جوهرياً فى مفاهيمها لإدارة الصراع السياسى والاجتماعى فى إطار رؤية جديدة تتوافق مع المخاطر الرهيبة التى تعيشها المنطقة كلها من محاولات دؤوبة لإسقاط الدولة القائمة وتأسيس دولة جديدة قائمة على التطرف والتعصب والعنف والإرهاب. السؤال: هل يمكن مقاومة المخاطر المحدقة بالدولة من دون ظهير سياسى يواجه غول الإرهاب والعنف بين الناس؟؟ هل يمكن مواجهة التحديات المحدقة بالأمن القومى للبلاد دون تنوع فى الأفكار والأدوات والرؤى؟؟ هل يمكن دحر شيطان العنف والتطرف دون أدوات رقابية تحاصر الفساد وتقضى على التمييز اللذين يمثلان روافد للتطرف والتعصب؟؟ لعل كل من زار الصين لاحظ أن القفزات الضفدعية للاقتصاد والتى تحققت فى ظل إيمان لا يتزعزع بالليبرالية الاقتصادية قد تمت بالتوازى مع التمسك بوجود «الحزب الشيوعى» باعتباره ظهيراً سياسياً فى التفاعل مع الشعب من جهة وأداة رقابية فى تعامله مع جهاز الدولة من جهة ثانية. ليس مهماً أبداً أن يكون الظهير السياسى للدولة متوحداً، بقدر ما هو مطلوب أن يكون متوافقاً داعماً ومسانداً لعملية التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال عملية جدل وحوار سياسى مشجع ومثير لهمة الناس على حماية النظام والدولة. المطلوب من الرئيس توافق سياسى مع قوى حزبية على برنامج وطنى لمواجهة التحديات الخطيرة غير التقليدية التى نعيشها، والمطلوب من الأحزاب رؤية جديدة فى إدارة الصراع تتوافق مع طبيعة اللحظة التى نعيشها. والمطلوب من الدولة أيضاً تبنى جبهة وطنية عريضة فى مواجهة ما نعيشه من مخاطر تنجح فى القضاء عليها كما نجحت من قبل فى 30 يونيو. استمرار الفراغ السياسى سيؤدى إلى فتح ثغرات وثقوب تتيح لقوى وجماعات متعددة اختراق جدار المجتمع وتفريغ مفهوم الديمقراطية من مضمونه الواقعى الفعلى، وستنسف كل الجهود المبذولة والمطلوبة لتحقيق التنمية المنشودة ومواجهة ثقافة التطرف والعنف وتعميق ثقافة الديمقراطية بديلاً لها. لو قام الظهير السياسى للدولة على التعددية والتنوع فسيخلق اصطفافاً وطنياً مؤمناً وواثقاً بالدولة مدافعاً عن مبادئها وقواعدها.