بالأمس، وبعد أداء واجب العزاء بقرية السلام، وهى إحدى القرى النائية التابعة لمركز دكرنس، التى أظن أنها غير معلومة لكثير من المسئولين فى دوائر صنع القرار الحكومى، توجهنا إلى منزل المهندس يحيى زهران تلبية لدعوته لتناول الشاى، وتجمع حوله ومعنا الكثير من أبناء القرية والقرى المجاورة، وفرض الحدث الدائر الآن، والمتمثل فى التعديل الوزارى وحركة المحافظين، نفسه على مجريات الحوار، الذى سيطرت عليه حالة من التشاؤم والإحباط، كانت ظاهرة وبوضوح على وجوه وألسنة الناس، مع هبوط سقف الأمل فى التغييرات المرتقبة، قياساً كما كان واضحاً من مجريات الحوار، على ما حدث خلال المراحل السابقة، التى تناوب فيها، على سبيل المثال، على محافظة الدقهلية أربعة من المحافظين، بدءاً من اللواء محسن حفظى، مروراً باللواء صلاح المعداوى، والدكتور صبحى عطية الملقب بالمحافظ الإخوانى، وصولاً إلى اللواء عمر الشوادفى. وتلاحظ تلك الحالة من الإجماع بين الحضور على أن المولى عز وجل قد أنعم على تلك الأمة برجل ورئيس تعلقت به آمال المصريين فى تحقيق أمانى وطموحات من لبّوا النداء فى 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو ورأوا فيه أملاً ارتسمت ملامحه فى قائد وزعيم للأخذ بأيديهم، لكسر تلك الدائرة الجهنمية من الجهل والفقر والمرض وكبت الحرية وضياع الكرامة الإنسانية.. وسرعان ما ترجموا تعلّقهم به والتفافهم حوله عملياً، حين خرجوا فى مشهد مهيب أذهل العالم فى الانتخابات الرئاسية، وهو ما ظهر بوضوح فى نتائج تلك الانتخابات، التى حصل فيها منافسه على أصوات أقل بكثير من الأصوات الباطلة!! وكان أن أثبتت قرارات الرئيس ومواقفه خلال الفترة الماضية أن تلك الملايين كانت على صواب، حين التفت حوله، إذ بدا واضحاً، ومن اللحظة الأولى لتوليه المسئولية، أننا أمام رئيس لديه إصرار وعزيمة على قيادة السفينة إلى حيث يأمل الناس، كما كان واضحاً أيضاً من الوهلة الأولى وجود فارق كبير فى السرعة وطريقة التفكير بين الرئيس ومعاونيه، وتحديداً فى الحكومة والمحافظين وسكرتيرى العموم ورؤساء المدن، وهو ما يُلقى بالمسئولية الجسيمة على من أوكل إليهم الرئيس ملف الترشيحات للوزراء والمحافظين الجدد، إذ تفرض عليهم الأمانة، التى يتحملونها أمام الله، والتى أولاهم إياها الرئيس، أن يقدموا له شخصيات قادرة على التعامل مع المرحلة وفق فهم ورؤية صحيحة ودقيقة لطبيعة المرحلة وخطورتها فى رسم مستقبل الوطن، هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى تكون قادرة على تقديم الحلول السريعة الناجزة والاستراتيجية لكثير من المشكلات المتراكمة، التى يئن منها المواطن وتدفع به فى اتجاه تنامى الشعور بالإحباط وعدم الرضا، خاصة أن الناس قد اتسعت دائرة طموحاتهم وارتفع سقف أمانيهم وآمالهم، وتلك بصفة خاصة تعد نقطة وقضية خطيرة أظنها تغيب عن أذهان كثير من أولئك القابعين على كثير من كراسى المسئولية من معاونى الرئيس. الغريب أنه ووسط تلك الحالة من الإحباط وتضاؤل الأمل، دار الحديث حول الكثير من الأسماء التى ما زالت محفورة بأحرف مضيئة فى قلوب وعقول مواطنى الدقهلية، رغم أن الكثير منهم قد واراهم الثرى، وهم الآن بين يدى الرحمن، إلا أنهم تركوا وراءهم ذكرى طيبة وتاريخاً ناصعاً ومشرفاً من خلال ما قدموه من إنجازات خلال توليهم المسئولية، أمثال المرحوم اللواء سعد الشربينى والمرحوم اللواء فخر الدين خالد.. ومنهم من أمد الله فى أعمارهم أمثال اللواء عبدالسلام المحجوب، واللواء عادل لبيب، والدكتور عبدالمنعم عمارة.. الأمر الذى يعكس أن الناس، وعلى اختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية والاجتماعية، لديهم قدرة كبيرة على التمييز بين الغث والثمين والصالح والطالح والناجح والفاشل، وبين من يعمل ويبدع، ومن لا يعمل. ومن تلك النقطة تبدأ وتنتهى المسئولية الجسيمة والخطيرة التى يتحمّلها من يرشحون للرئيس، أمام الله عزّ وجلّ، ثم أمام التاريخ الذى لا يرحم ولا يغفر، وأيضاً أمام شعب يتحمّل فى النهاية نتائج تلك الترشيحات والاختيارات، إذ تفرض عليهم المسئولية البحث والتدقيق فى تاريخ وإنتاج وإبداعات المرشحين، وضرورة تشكيل لجنة متخصصة، وعلى أعلى مستوى للاختيار ومناقشة المرشحين فى رؤاهم وتصوراتهم ومدى خبراتهم فى الإدارة، وفى العمل تحت الضغط الشديد والتفاعل الجماهيرى مع الناس ومدى الجرأة والقوة فى مواجهة المواقف الصعبة والقدرة على اتخاذ القرار السليم فى الوقت السليم، مع الأخذ فى الاعتبار أنه ليس بالضرورة أن يكون المرشح قد حقق نجاحات فى مجال عمله السابق، لأن العمل فى الإدارة المحلية له ظروف وطبيعة خاصة، تفرض ضرورة توافر قدرات ومهارات خاصة.. أيضاً يجب الوقوف وبكل دقة على القدرات الصحية والنفسية لأولئك المرشحين، فضلاً عن مهاراتهم فى التعامل المباشر مع الجماهير. نؤكد ذلك، لأن كثيراً من التجارب السابقة أثبتت أن الاختيارات السابقة حقق بعضها نجاحات كبيرة، وأيضاً خلّف الكثير منها كوارث كبيرة وفشلاً ذريعاً تحملت الدولة ومواطنوها آثاره السيئة واضطر الجميع إلى الصبر عليه عنوة، لحين إجراء التغيير، وخطورة المرحلة لا تحتمل أن نضطر من جديد، ومعنا الناس، إلى تناوله مثل (شربة الملح)!!! ووصل الحوار فى منتهاه إلى حقيقة مفادها أنه إذا كان التغيير مطلوباً، بل وملحاً، فلا بد أن يكون تغييراً ل«ألضو» ب«ميسى» أو «رونالدو»، وليس ب«شاهين»، فمصر الولّادة على مدار تاريخها الطويل تثبت كل لحظة أن لديها من الرصيد الآلاف والآلاف من «ميسى» و«رونالدو» بالطبعة المصرية، وأن رحمها لم ينضب إلا على الفشلة والعاجزين!! وأقولها صريحة ومباشرة لدولة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب من منطلق الأمانة التى قطعتها على نفسى عهداً أمام كل من كانوا معنا أن أنقل إليه ما يدور فى عقولهم ونفوسهم، وما يتطلعون إليه من مستقبل لهذا البلد، بألا تضع أمام الرئيس ملف الترشيحات المقبلة إلا بمن هم قادرون على تحقيق آمال الملايين من أبناء مصر البسطاء، ولا تعيش وتدور فى فلك مجرد تقارير ورقية تتلقاها من الأجهزة الرقابية والأمنية، التى تعتمد كلية على أمور أنت تعلمها جيداً، فليس كل من فى ملفه خطيئة هو غير صالح، فالتجارب علمتنا أن من يعمل كثيراً يخطئ كثيراً ومن لا يخطئ هو من لا يعمل من الأصل، فكثير من الملفات الناصعة إنما تعكس فى حقيقتها أن أصحابها ارتضوا لأنفسهم إيثار السلامة والعيش (جنب الحيط)، وتحجّرت عقولهم عند قواعد البيروقراطية العقيمة والتفسيرات الضيقة والقاصرة لنصوص القانون، وانعدمت لديهم القدرة على الفهم والإبداع والابتكار خشية الوقوع فى أى خطيئة. ولدينا جميعاً مثال حى لنجاح الإدارة تتجسد وترتسم ملامحه على شخصكم الكريم، حيث كنت تترأس أهم وأكبر شركة فى الشرق الأوسط، أصبت فى إدارتها كثيراً وأخطأت أحياناً، إلا أن الناتج النهائى أنك ارتقيت بها، ونجحت فى إدارتها، وها أنت تترأس حكومة مصر، والأمل أن تكون تجربتكم الشخصية هى المثال الذى تنطلقون منه فى اختياراتكم للوزراء والمحافظين القادمين.. ولا تجعل تلك التقارير الورقية هى المعيار والفيصل فيمن يتقدم الصفوف.. لأن حكم الناس على تلك الاختيارات سيكون قاسياً، لأن حساسية المرحلة وخطورتها تجعلنا جميعاً نفتقر إلى رفاهية التجربة من جديد، حيث لم يعد لدى الناس أى درجة من الاستعداد لأن يظلوا فئراناً للتجارب، ولهذا حمّلونى إليكم رسالة واضحة مفادها: «لو هتشيلوا ألضو وتجيبوا شاهين.. إحنا مش عايزين».. وللحديث بقية ما كان فى العمر بقية..