داخل بيت ريفى بسيط مساحته لا تتعدى 19 متراً، مكون من طابقين، الأول لتربية الحيوانات والثانى عبارة عن غرفة واحدة، تعيش فيها أسرة مكونة من أب وأم و6 أبناء. فى السادسة بعد صلاة المغرب، يعود الأب محمد إسماعيل عزام (47 سنة) إلى منزله، حاملا على رأسه «سبت البط» الذى يجوب به القرى المجاورة ليبيع الطيور التى يربيها فى منزله، وقد رزقه الله ببضعة جنيهات، ينفق منها على أسرته، لكن صفو هذه الأسرة وهدوء بالها لم يتعكر إلا عندما اقتحمته قوة من الشرطة، بحثا عن «محمد»، الذى لقى مصرعه، إثر تعرضه للتعذيب فى مركز شرطة طهطا، الشهر الماضى، حسب رواية أسرته وأقاربه، فى سيناريو لا يختلف كثيرا عما تعرض له شهيد الطوارئ خالد سعيد، ما جعل وسائل الإعلام تطلق عليه لقب «خالد سعيد سوهاج». الابن الأكبر «عزام»، يتذكر ذلك اليوم جيدا، عندما كان والده «بياع البط» يتوسط أسرته ويحمل طفلته بنت العامين على كتفه، ويتابع الحالة الصحية لطفله البالغ من العمر عاماً واحدا، الذى كان يعانى من ارتفاع درجة الحرارة، ويتناولون جميعا الغداء، وفجأة اقتحم 4 أفراد شرطة منزلهم الكائن بقرية بنجا، مركز طهطا، بسوهاج، يترأسهم ضابط شرطة، فانتفض الوالد، ليعرف ماذا يريدون، وسأل الضابط عن السبب، فأخبره أن عليه غرامة بمبلغ 20 جنيها والحبس لمدة 15 يوماً، فى قضية تبديد و«محضر بيئة» بسبب «السباخ» أو روث الحيوانات الملقى أمام منزله، فما كان من الرجل إلا أن قال للضابط: «إدينى ربع ساعة، أدبر لك ال 20 جنيه، وهذه بطاقتى وشهادة المعافاة وهحصلكم على قسم الشرطة»، هذه الكلمات البسيطة كانت كافية لينتفض الضابط قائلا: «هو أنا هستناك لحد ماتخلص أكلك يا ابن ال... »، فرد الرجل: «ليه كده يا بيه الحاجات دى انتهت من زمان، وليه تشتم أمى قدامى ووسط ولادى»، أمسك الضابط بملابس الوالد معاوداً سبه بوالدته، فما كان من الوالد إلا أنه رد الشتيمة وهو ما قابله أفراد الشرطة الأربعة المرافقون للضابط ب«تكتيف» إسماعيل وجره سحلاً على سلم المنزل، لدرجة أن ملابسه تمزقت فى أيديهم، حاولت والدة إسماعيل التوسل لضابط الشرطة بأن يترك ولدها وأنه سوف يأتى معه إلى القسم، وقبلت يده فى محاولة لاستعطاف الضابط، إلا أنه قابل هذا التوسل بضرب الأم الثمانينية، لتسقط على الأرض مغشياً عليها. ويكمل الابن «عزام» وقائع الاعتداء على والده وجدته قائلاً: «جريت ورا أبويا عشان أديله جلابية بدل اللى اتقطعت من سحله على السلم، ولما رحت على البوكس لقيت المخبرين بسطوه على وشه وبيضربوه، وكأنه قاتل أو مجرم بعدها بساعة أهل البلد بلغونى إن أبويا مات» محمد طه، والد زوجه القتيل، قال ل«الوطن»: «كنت موجودا فى القاهرة عندما أبلغونى بوفاة زوج ابنتى، فأخبرتهم بألا يقترب منه أحد حتى أراه، وبالفعل رفضت أسرته دفنه أو استلامه حتى إبلاغ النيابة وتوقيع الكشف الطبى عليه»، وأضاف: «عرفنا من المتهمين الأربعة اللى كانوا مع محمد فى سيارة الشرطة أنه بعد ذهابه إلى القسم ضربه الضابط وعذبه حتى فقد الوعى، وكان يقول له: أنت بقى شتمت أمى تحب تاخد 5 ولا 7 سنين بتهمة التعدى على ضابط شرطة، وأحد المتهمين قال للضابط: كفاية يابيه حرام، فسبه الضابط، وطلب من أمناء الشرطة إنزالهم إلى الزنزانة، وبعدها بربع ساعة انتشر خبر وفاة محمد» حسب كلام طه، «وأحالوه إلى المستشفى الذى رفض استلامه فى البداية، ثم وضعه فى ثلاجة الموتى، إلى أن جاء وكيل النيابة ووقع الكشف الطبى عليه، ولم يصدر التقرير حتى هذه اللحظة، بعد أن تبين وجود إصابة فى أنف المتوفى». مضايقات وضغوط كثيرة تتعرض لها أسرة المتوفى من قبل «المخبرين»، حيث اتهمهم والد زوجة المتوفى بالضغط على الشهود فى القضية لتغيير أقوالهم وقال: «كان يوجد 4 متهمين شاهدين على قضية إسماعيل، خرج منهم 3 استعنا ب 2 منهم للشهادة واستبعدنا الثالث لأنه تاجر مخدرات، إلا أننا وجدناه فى النيابة يطلب الشهادة بعدما عايره أهالى البلدة بأنه تخلى عن نصرة ابن بلده، وبعدما أدلى بشهادته جرى تهديده من قبل المخبرين بتلفيق قضايا له وهو ما جعله يتراجع عن الشهادة، ويتهم أهالى المتوفى بالضغط عليه للشهادة من أجلهم، فيما اختفى الشاهدان الآخران، بعدما جرى تهديدهما بتلفيق قضايا لهما أيضاً». «طه» لا يريد شيئاً لابنته وأطفالها الستة الذين تيتموا سوى القصاص العادل، وأضاف: «الضابط يضيع أسرة كاملة عشان 20 جنيه، فيه ناس قاتلة فى البلاد اللى حولينا محكوم عليها ب 25 سنة، وقاعدين بسلاحهم ورشاشاتهم على القهاوى». اللافت أن رواية الداخلية عن تلك الواقعة كانت «إلقاء القبض على المتهم من أمام منزله لتنفيذ حكم بالحبس 15 يوماً وغرامة 20 جنيها، وجرى اقتياده إلى قسم الشرطة وأثناء التحقيق معه أُغمى عليه، ونُقل إلى المستشفى، وتوفى قبل وصوله ووجود إصابة فى أنفه، نتيجة سقوطه على وجهه أثناء التحقيق معه».