هناك ضرورة لتحرير الإعلام المصرى من إعلام حكومى يمارس عليه كثير من السياسات لخدمة أهدافه الخاصة، إلى إعلام حر ومستقل (إعلام الشعب) الذى يعكس مختلف احتياجات الجمهور؛ لكن حتى يمارس هذا التحرير فيجب تمكين البيئة الإعلامية من عدة أوجه، ومن أهمها استقلالية الهيكل التنظيمى بمعنى تنظيم العلاقات داخل المؤسسة وتحديد مسئوليات الأفراد العاملين بها ومدى تأثير هذا الهيكل فى عملية تحرير الإعلام. فهل يمكن تحرير الإعلام مع استمرارية النموذج البيروقراطى النمطى الذى يعانى منه اتحاد الإذاعة والتليفزيون؟ فالحكومة المصرية تمارس دوراً رقابياً وتحكمياً ضخماً على اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذى يتحكم فى قطاع الإرسال، فجميع القنوات التليفزيونية المصرية -القومية والمحلية- تقع بالكامل تحت سيطرة اتحاد الإذاعة والتليفزيون فيما يتعلق بإدارتها وتشغيلها، ويتكون الاتحاد من 12 قطاعاً تتحكم فيها وتشرف عليها وتراقبها الحكومة. ويمكن تصنيف الهيكل التنظيمى لاتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى بأنه هيكل بيروقراطى نمطى، إذ إن المهام التى يتم أداؤها داخل هذه المنظومة يجرى إنجازها بدرجة عالية من التخصص تحت قواعد رسمية صارمة مما يؤدى إلى بطء فى عملية اتخاذ القرار. وعلى الرغم من أن هناك مزايا للأنظمة البيروقراطية فإن نتائج الأنشطة التى يقوم بها اتحاد الإذاعة والتليفزيون لا تتعدى مجرد تقديمها لمنتج إعلامى فقير المحتوى ضعيف الجودة لا يقدم أى فرص حقيقية للتقدم إذا جرت مقارنته بالبيئة التنافسية المحيطة به. وبالقطع يأتى هذا نتيجة لحقيقة أن المؤسسة البيروقراطية تفتقر إلى الموهبة وهى لا تكلف كثيراً من حيث النفقات وتمتلئ بكثير من المديرين الذين يقعون فى الفئة ما بين الإدارة المتوسطة الأدنى منها.. بالإضافة إلى عملية صناعة القرار فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون التى تعتبر عملية مركزية جداً تقع بالكامل فى يد رئيس الاتحاد الذى يقوم بخدمة الأجندة الحكومية وليس الشعب، ولذلك يجب فى عملية إعادة الهيكلة الاهتمام بالنقاط التالية: أولاً: يجب الاهتمام فى هذه المرحلة الانتقالية بأن يكون التحول من الهيكل النمطى إلى هيكل حيوى يتصف باللامركزية والقدرة على اتخاذ القرارات السريعة بدلاً من الهيكل الحالى الذى يتمتع بدرجة عالية من المركزية تقع فى أيدى رئيس الاتحاد ويمارس درجة عالية من البطء فى اتخاذ القرارات، كما يصعب تطبيق التكنولوجيا الحديثة التى تتطلب عدم ممارسة درجة عالية من الروتين لكى تتواءم مع البيئة التنافسية السريعة التى نعيشها الآن، وعلى الرغم من عيوب النظام النمطى والمركزى، فإنه ظل مفروضاً على اتحاد الإذاعة والتليفزيون لعقود طويلة لضمان وجود السلطات مركزة لدى رئيس الاتحاد وعدم تخطى الخطوط الحمراء من حيث توجيه النقد لرئيس الدولة أو حكومته. ثانياً: يجب أن يعين أعضاء مجلس الأمناء من خبرات وخلفيات مختلفة (و إذا كان هذا مطبقاً بشكل صورى) ولكن يجب مشاركة جهات مختلفة مثل منظمات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية فى ترشيح بعض الأسماء وذلك لضمان التعددية التى تنعكس على المضمون وتضمن عدم تسييسه، كما يجب الالتزام بعدم امتلاكهم لحصص فى أى شركات إعلامية حتى لا يكون هناك تضارب فى المصالح، وكأى نظام ديمقراطى فلا يجوز التجديد للأعضاء لأكثر من فترتين. وتتماثل كثير من الدول الأوروبية فى تطبيق هيكل حيوى ولامركزى من حيث إن السلطات موزعة على جميع مستويات الهيكل التنظيمى وتوجد صلاحيات كبيرة لدى المديرين تساعدهم على سرعة اتخاذ القرار، كما يعتمدون على الكفاءات القادرة على تطبيق التكنولوجيا والتكيف مع البيئة التكنولوجية السريعة والقدرة على التنافس فى بيئة شديدة التنافسية. إن استقلالية الهيكل التنظيمى للاتحاد تتمثل فى شكل الهيكل التنظيمى ووضع الخصائص والقواعد التى تفرض على إدارته وتنعكس على نوعية وجودة البرامج التى تقدم للمشاهدين، ولذلك فإن استقلالية الهيكل التنظيمى من أهم الأوجه التى تهيئ مناخاً إعلامياً حراً ومستقلاً.