لم يمض سوى أيام على تولى الوزارة الجديدة مهام منصبها وأتمنى أن يكون إصلاح المنظومة الإعلامية على أولويات أجندتها على عكس الحكومات السابقة. ورغم أننى كنت أتمنى إلغاء وزارة الإعلام والعمل على تطهيره وتحريره، ولكن فوجئنا بتعيين وزير جديد، فأتمنى أن يكون للوزير حقاً خطة فاعلة من أجل إنقاذ الإعلام. وأريد إلقاء الضوء أولاً على الإعلام المسموع والمرئى لما لديهما من تأثير قوى على المواطنين ولما شهدته الساحة من طفرة فى عدد القنوات التليفزيونية بعد ثورة يناير. لقد عانى الإعلام المسموع والمرئى من عقود مظلمة ونظام سلطوى يفرض سياساته ويتدخل فى نظام إداراته حتى أصبح الإعلام أداة تُستخدم لخدمة السلطة. حتى بعد ظهور الإعلام الخاص، كانت هناك خطوط حمراء لا يمكن المساس بها أو مناقشتها. ولم يكن الإعلام الخاص بمثابة النموذج الذى يحتذى فى كل القنوات، فالبعض كان يخرج عن المهنية لخدمة أهدافه الخاصة وتحقيق الربح السريع. وزاد الحال سوءا بعد ثورة يناير حين أصبح المجال مفتوحا لبث مئات القنوات دون وضع معايير محددة لحق البث وأصبحت الفوضى هى السمة العامة، كما أصبح المشاهد فى حيرة ما بين إعلام متحيز للحكومة وإعلام يهاجمها بكل قوة ويلقى الضوء فقط على سلبياتها. ولذلك لا بد من البدء فى إعادة هيكلة الإعلام المسموع والمرئى وتمكين البيئة من أجل إعلام حر ومستقل، وهذا يتحقق على النحو التالى: يجب إنهاء ملكية الحكومة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون وتحويله إلى إعلام خدمة عام يهدف إلى خدمة المشاهد من خلال تقديم مضمون يتسم بالمصداقية والحيادية والتوازن. وبالتالى يجب الاستغناء عن كم الإذاعات والقنوات التى يمتلكها اتحاد الإذاعة والتليفزيون والاكتفاء بمحطة واحدة أو محطتين، خاصة أن الاتحاد يعانى من عجز كبير فى الميزانية يصل إلى نحو 12 مليار جنيه رغم الدعم الحكومى وكم الإعلانات الهائل. ومن المفروض وضع إطار تمويلى يساعد على استقلالية إعلام الخدمة العام مثل تحويل الدعم الحكومى إلى هبة ثابتة لمدة خمس سنوات حتى لا تستخدمها الحكومة كأداة ضغط من أجل فرض أجندتها. كما يجب الاعتماد على نسبة محددة من الإعلانات بمعايير واضحة حتى لا يمارس المعلنون أى ضغوط على ما يقدم فى البرامج لخدمة منتجاتهم، ولتمكين الإعلام الخاص من الازدهار كونه يعتمد فى الأساس على الإعلانات لإنتاج برامجه ولا يحصل على أى دعم من الدولة. يجب أيضا على الوزير الجديد الاهتمام بالهيكل التنظيمى لاتحاد الإذاعة والتليفزيون الذى يعانى من بيروقراطية شديدة ودرجة عالية من المركزية فى اتخاذ القرار ظلت قائمة لضمان تمركز السلطة لدى رئيس الاتحاد وعدم تخطى الخطوط الحمراء من حيث توجيه النقد لرئيس الدولة أو حكومته. لذلك يجب على الفور تطبيق هيكل حيوى يتصف باللامركزية لكى يتواءم مع البيئة التنافسية التى نعيشها الآن. وعلى الوزير أيضا وضع معايير لتعيين أعضاء مجلس الأمناء واختيارهم من خبرات وخلفيات مختلفة ومشاركة جهات مثل منظمات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية فى ترشيح بعض الأسماء لضمان التعددية التى تنعكس على المضمون وتضمن عدم تسييسه. أما التحدى الرئيسى لوزير الإعلام الذى سيحدد إذا كان يريد بالفعل تحرير الإعلام وضمان استقلاليته، فهو العمل على إصدار القوانين التى تضمن حرية الصحفيين والحق فى الحصول على المعلومات والحق فى تداولها ونشرها، ليقوم الإعلام بدوره الرئيسى فى تعليم وتوعية وتثقيف المتلقى. أما عن الإعلام الخاص فلا بد من وضع ضوابط لما يقدم على شاشته حتى لا تخترق مواثيق الشرف ونرى ما نشاهده الآن على بعض الشاشات من انتهاك لخصوصية حياة أفراد أو سب وقذف آخرين. وهذا يأخذنا للإشارة إلى ضرورة إنشاء جهاز مستقل لتنظيم البث المسموع والمرئى. ويقوم هذا الجهاز بوضع الضوابط للقنوات الخاصة وقنوات الخدمة العامة، كما أنه يعتبر الجهة المختصة بإعطاء تراخيص البث ومراقبة أداء القنوات طبقا للضوابط، ولديه الصلاحيات فى فرض الغرامات ووقف بث القنوات فى حالة الخروج عن المهنية أو مخالفة القواعد من أجل خلق إعلام حر ومستقل.