عندما سمعنى أحكى ورطتنا (البحر من ورائكم، والعدو أمامكم) قال لى الشاعر المغربى عبدالرحيم جيران «لم يحرق طارق بن زياد السفن، ولم يقل هذه العبارة، لقد عبر جبل طارق باتفاق وصفقة مع الإسبان، لكن التاريخ يا عزيزتى يكتبه السادة»!! مرة أخرى هى الصورة التعبيرية الزائفة، خلط الأوراق، وطمس الوقائع والتواريخ، تأويل الحكايات وفقاً للمصالح والأغراض، لنكتشف يوماً بعد يوم حجم الأكاذيب التى عشنا وكبرنا فيها، أكاذيب هى الحقائق، بقوة السلطة (ومن يملك العملة يمسك بالوجهين.. والفقراء بين بين..). ليس طارق بن زياد وحده، الصور التعبيرية تملأ حياتنا، تفترسنا وتفترس أيامنا.. فى المدخل الرئيسى لبانوراما 6 أكتوبر، لوحة ضخمة من الفسيفساء لقادة القوات المسلحة فى غرفة العمليات أثناء حرب أكتوبر، تضم اللوحة الرئيس السادات القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعلى يمينه وزير الحربية المشير أحمد إسماعيل، وعلى يساره حسنى مبارك، ثم مدير المخابرات الحربية، ثم الأمين العام لوزارة الحربية، ثم قائد المدفعية، ثم الفريق الشاذلى. الصورة زائفة تماماً، وكل أفراد القوات المسلحة يعرفون زيفها، مرة لأنها تخالف التقاليد العسكرية حيث التراتبية والأقدمية فى تقدم الصفوف، وكان مبارك فى حرب أكتوبر برتبه (لواء)!! ومرة لأن الصورة الحقيقة، كان الواقف فيها إلى يسار السادات هو الفريق الشاذلى!! اليوم فقط تداول الناس الحكاية، تم تكريم الفريق الشاذلى، وأعلن عن تصحيح الصورة، وإعادة الحق إلى أصحابه.. أعلن عن تحديث بانوراما أكتوبر فى ضوء مراجعة المعلومات والوثائق وتصحيحها. نفس الزيف الذى دفع بحسنى مبارك إلى أمامية الصورة، يتقدم قادة العالم فى اجتماع سلام الشرق الأوسط بالبيت الأبيض 2010، بينما الصورة الحقيقية كانت لأوباما يتقدم الملك عبدالله، ورئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ثم حسنى مبارك فى الطريق إلى الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض.. يومها نشرت جريدة «الأهرام» الصورة الزائفة، أو قامت (بفبركتها) وحين تم كشفها، أطلقت عليها الصورة التعبيرية!! طمس الحقائق، وإعادة صياغة التاريخ وفقاً لرؤية المنتصر، صاحب السلطة، أو صاحب الثروة، من يمتلك القوة والحكم، هى الصورة التعبيرية الجديدة، وهى أيضاً تقليد فرعونى قديم، يطمس فيه الفرعون إنجاز كل من هم قبله من الفراعين، وينسب أيضاً إنجازهم إليه، فعلها السادات فوق النصب التذكارى للسد العالى، حيث حفر صورته فوق صورة عبدالناصر، وفعلها مبارك، وفعلها الإخوان المسلمون بالسطو على ثورة يناير كلها، والسطو على أكتوبر.. أرسل رئيس اتحاد عمال البترول وأعضاء لجنته النقابية، بمناسبة احتفالات أكتوبر، تهنئة إلى الرئيس محمد مرسى (قائد نصر أكتوبر العظيم)!!