نشرت وسائل الإعلام المختلفة مقاطع فيديو تتناول أحد رجالات الأزهر الفُضَلاء وهو فضيلة الأستاذ الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، بما لا يَلِيق به، ووصفه على حد قوله: بأنه نافَقَ الدكتور مرسى فى الإعلان الدستورى الذى صدَر فى عام 2012م، والسخرية من فضيلته بما لا يَلِيق بالأزهر، ولا بشيوخه الأجلاء، وتعليقاً على ذلك ومثله أقول: 1- منذ حين من الدهر، طَفِقت جهات عديدة تعمل على مهاجمة مؤسَّسة الأزهر، سواء من ناحية مناهج التعليم التى تُدرس على الطلاب، ووصفها بأنها تخرج طلاباً إرهابيِّين، أو أنها تحضُّ على الإرهاب، أو من خلال ظهور بعض أولئك فى وسائل الإعلام، باتهام مناهج الأزهر باتهامات لا حصر لها، بما يصبُّ فى ذات الاتجاه، وتارة يأخذ الهجوم منحى آخَر، وذلك عن طريق مهاجمة شيوخه وعلمائه، ووصفهم بما لا يليق، وربما طالَبَ بعضُهم بإلغاء الأزهر أصلاً، وتحويل طلابه إلى التعليم العام، فضلاً عن هجوم التيّارات الأخرى من أصحاب الجماعات التى ترى فيه وفى شيوخه العدوَّ الألدَّ، حيث تُريد التخلُّص منه بين عَشِيَّةٍ وضُحاها؛ لأنَّه الوحيد القادر على مواجهتها فكريّاً، ودحض شُبهاتها، وكشف عوارها أمامَ الرأى العام كله. 2- على هذا النحو يعيش شيوخُ الأزهر فى وسط هذا السيل من الهجوم وكأنى بمشيخة الأزهر فى حيرةٍ من أمرها، هل تردُّ على كل أولئك، أم تلتزم الصمت وتربأ بنفسها عن هذه التُّرَّهات، وفى كلا الحالين سيطالها اللوم، فإن سكت الأزهر فإنَّه سيُفسَّر على أنه خُنوع وخُضوع، وخوفٌ من الألسنة الحِداد التى يَنبَرِى بها البعضُ من هنا ومن هناك، وإن تكلَّم عُلَماؤه ربما حمل عليهم البعض بأنهم ما يجب أن ينساقوا وراء عويل كلِّ مُدَّعٍ من هنا أو هناك، ويتحلوا بالصبر والأناة، اللتين هما سمتُ العلماء وميراث الأنبياء. 3- إنَّ هذا الهجوم الذى يطال الأزهر، وطلابه، ومناهجه، وشيوخه، أمر ليس عفويّا، وإنما هو خُطة ممنهجة بحيث يُؤدِّى كل شخص دورَه فى الخطة الموضوعة لهدم الأزهر فى الوقت المناسب؛ فتارةً ينادى أحدهم بإلغاء التعليم الأزهرى، ويطلع آخَر ليُهاجم مناهج الأزهر، ويخرج آخَر ليهاجم شيوخ الأزهر ويسخر منهم ومن علمهم، ثم ما تلبث أن تخبو دعوةٌ منها، حتى تتبعها دعوةٌ أخرى من هناك، حتى يصبح الأمر بمثابة رأى عام وزخَم كثيف من الهجوم على الأزهر فى الشارع المصرى، ورغم كلِّ ذلك فإنَّ هذا الكلام وغيره، ما يلبث أن يتَطاير أدراج الرياح، ويُصبح شيئاً لا قيمةَ له. 4- إنَّ تطاوُل البعض على فضيلة وكيل الأزهر، ليس تطاولاً على شخص الدكتور عباس شومان بعينِه، وإنما هو فى حقيقته وفحواه تطاولٌ على الأزهر وعلى المؤسسة العتيقة، بهدف النيل منها ومن رمزها؛ حتى تقل هيبتها فى نفوس المصريين الذين يُقدِّرون الأزهر حقَّ قدره، ولا يثقون فى كثيرين ممَّن يصرخون صباحَ مساءَ فى الإعلام، ممَّن لم يُؤتَ أحدُهم مُدَّ أحدٍ من علماء الأزهر ولا نصيفَه. 5- إنَّ فضيلة وكيل الأزهر لم يُنافق، وحاشا الأزهر ورجاله أن يكونوا من المنافقين، فكفى الأزهر فخراً أن وقَف ورجاله فى 30/6/2013م حامِين إرادة المصريين، فى وجه كلِّ مَن أرادوا ببلادنا سوءاً من هؤلاء ومن أولئك، وفى وجه كلِّ مَن يُكفِّر الشعب المصرى ويصفه بالخارجين والمارقين على الحكَّام، وفى وجه الفتاوى الصادرة من هنا ومن هناك، حتى تزعزع المصريين فيما ذهبوا إليه، وكان الأزهر المجيد -بفضل الله- شامخاً قويّاً بشيخه ووكيله وكل رجالاته فى وجه كلِّ التُّرَّهات التى تُريد أن تَفُتَّ فى عضد هذه الإرادة التى التَفَّ حولَها جموع الشعب المصرى، وهى إرادة التغيير، التى وافقها الأزهر وثمَّنَها، وبارَكها وبارك فيها، وشدَّ من أزرها؛ من أجل حماية وطننا الحبيب مصر، وحماية شعبه الأبىِّ، وترابه المقدَّس من التقسيم. 6- إنَّ الأزهر الشريف على مدار تاريخه كان مَلاذاً للمصريين، يلجؤون إليه فى وجه الطغاة فى كلِّ عصرٍ ومصر، وكان شيوخه الأجلّاء هم حائط الصد دوماً فى وجه الأعداء، يتحدَّثون باسم الشعب المصرى، ويُنادون بمطالبه، لا تأخُذهم فى الله لومةُ لائم. ولا يَزال الأزهر الشريف وشيوخه هم حُرّاس العقيدة السمحة المعتدِلة، التى هى جوهر الإسلام ووسطيَّته التى جاء بها الرسول (عليه الصلاة والسلام) ويُعلِّمون الدنيا كلها حريةَ العقيدة، وحريةَ اعتناق الفِكر، وحريةَ الرأى، وعدمَ التعصبِ والغلوِّ فى الدِّين، ويقفون فى وجه التكفير وجماعاته، والغلوِّ والتشدد فى الدين، وكل طُرقه وأساليبه، التى تطلُّ على المجتمع بوجهها القبيح فتُكفِّر أهله، وتصمهم بما ليس فيهم، وتريد أن تَحمِلَهم على الغلو والتشدُّد وتكفير الآخَرين. 7- هل بعدَ كل ذلك يكون جزاء الأزهر على هذا النحو، من نكران الجميل، والانقلاب عليه بهذا الشكل السيِّئ، ما الفارق إذن بين هؤلاء وبين مَن كانوا بالأمس القريب يكيدون للأزهر ولشيخه بأقبح أنواع الكيد، بمحاولة تسميم الطلاب تارةً، أو تأليبهم عليه تارة أخرى، أو التطاول عليه بما لا يليق، وغير ذلك. إنَّ هذا لَشىءٌ عُجاب!! 8- إنَّ المهنيَّة والموضوعيَّة تقتضى أن نحكُمَ على الأمور حُكماً موضوعيّاً فى كلِّ شىء بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ، فهل من الموضوعية والعدل والمهنية اقتطاع جانبٍ من كلام شخص قِيلَ فى سياق مُعيَّن، وفى مناسبة مُعيَّنة، وظروف مُعيَّنة، ثم بتر الكلام عن سِياقه، وتغييره عن مَسارِه إلى مسارٍ آخَر، ثم وصف قائله بما لا يَلِيق به، فكلُّ هذا خارجٌ عن حدِّ الموضوعيَّة والمهنية، التى يجبُ أن يتحلَّى بها كلُّ ذى منبر إعلامى يخرجُ على الناس من خلاله، مؤدياً رسالة إعلامية نبيلة وشريفة، حتى يُشارك مع غيره من جموع الإعلاميين والعلماء فى صِياغة العقل الجمعى للأمة صياغةً مناسبة، نحو استشراف آمال المستقبل، وصناعته بشكلٍ جيِّد، وتقديم المثل والقدوة للأجيال الصاعدة فى كيفيَّة التعامل مع القضايا المعاصرة، وكيفيَّة التعامل مع المؤسَّسات الكبرى مثل مؤسسة الأزهر. 9- إنَّ الدكتور شومان رغم قلَّة لقاءاتى به فإننى أستطيع أن أقول جازماً: إنه رجل شغوف بحبِّ الأزهر، مُتيَّم به، مهموم بقضاياه، وقضايا الأمة المصيرية، ويقف بكلِّ ما أُوتى من قوةٍ فى وجه الجماعات المختلفة التى لا تُعبِّر عن الإسلام السمح، وينحاز إلى وسطية الأزهر، التى هى جوهر الإسلام، وديدن المصريين جميعاً، كما أن فضيلته يقودُ قاطرةَ التطوير فى مناهج الأزهر، وفى كلِّ فعالياته ومَناحيه بتوجيهٍ من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وفى تطوير الخِطاب الدِّينى، وفى الرد على شُبهات الأعداء، وفى الوقوف فى وجه التمدُّد الشيعى، وفى المطالبة بحقوق الأقليّات المسلمة فى العالم العربى والإسلامى، ومُناصرة كلِّ القضايا التى تهمُّ المسلمين فى العالم، بحكمةٍ واعتدال. 10- إنَّنى أدعو الإعلاميين جميعاً فى كلِّ مجالات العمل الإعلامى، إلى التحلِّى بميثاق الشرف الإعلامى؛ بعدم التطاول على الآخَرين، أو النيل من مكانتهم، والتهكُّم أو السخرية منهم؛ فكل ذلك غير سائغ شرعاً ولا قانوناً. وأُذكِّر نفسى وكل العاملين فى مجال الإعلام بأنَّ كل كلمة تخرج من فم المسلم سيُحاسَب عليها؛ قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ، تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، وفى الحديث يقول النبى (عليه الصلاة والسلام): «إنَّ العبد لَيَتكلَّمُ بالكلمة من سخط الله لا يُلقِى بها بالاً يَهوِى بها فى جهنم».