إلغاء قرار تعيين أحد أعضاء الهيئة العليا بحزب الوفد    قرار جديد لوزارة الداخلية بشأن تأشيرات السفر    «تعمير» تعلن عن شراكة استراتيجية مع «The GrEEK Campus» بمشروع «URBAN BUSINESS LANE»    التعليم الفلسطينية: استشهاد 20 ألف طالب و1037 معلما بغزة والضفة منذ 2023    ماليزيا تعلن استعدادها للانضمام إلى "بريكس" فور قبولها    عون يؤكد ضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة على لبنان    بالخطأ، حارس إنتر يقتل رجلا مسنا في حادث سير    التحفظ علي 2.5 طن دقيق مدعم قبل تهريبها للسوق السوداء بالفيوم    عاجل - الهيئة القومية للأنفاق تعلن مواعيد تشغيل المترو والقطار الكهربائي الخفيف بالتزامن مع التوقيت الشتوي    عاجل- أسعار تذاكر المتحف المصري الكبير.. تفاصيل الدخول للمصريين والأجانب    سلسبيل سليم توضح أبرز أعمال التطوير بمحيط المتحف المصري الكبير تمهيدا لافتتاحه    اللجنة الفنية باتحاد الكرة: طولان محق ويجب الحفاظ على شكل المنتخب    رؤية نقيب الصحفيين للارتقاء بالمهنة في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    «عطية» يشدد على الانضباط المدرسي ويتابع سير الاختبارات الشهرية في أكتوبر وزايد    زاهى حواس: مكاسب اقتصادية وسياحية كبيرة لمصر مع افتتاح المتحف المصري الكبير    روزاليوسف.. ساحة الاختلاف واحترام التنوع    آية سماحة تنضم لمسلسل أحمد داود «بابا وماما جيران» في رمضان 2026    أكلات ومشروبات ممنوع دمجها مع القهوة    كيف تؤثر مرحلة انقطاع الطمث على الصحة العقلية للمرأة؟    زلزال سينديرجي يعيد للأذهان كارثة كهرمان مرعش في تركيا.. تفاصيل    فوزي إبراهيم بعد حلقة الحاجة نبيلة مع عمرو أديب: «المؤلفون والملحنون شاربين المر ومحدش بيذكر أسماءهم»    زيلينسكي: أوكرانيا مستعدة لخوض الحرب ضد روسيا لمدة تصل لثلاث سنوات    محافظ الفيوم يتفقد سير العمل بالمركز التكنولوجي بطامية    لتجنب احتقان الأنف والحرارة.. أطعمة ومشروبات منزلية تقاوم البرد والإنفلونزا    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    شوبير يكشف حقيقة العرض الليبي لضم أشرف داري من الأهلي    قبل العرض الرسمي.. إليسا تطلق أغنية «السلم والتعبان – لعب العيال»    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    نجم اتحاد جدة السابق يضع روشتة حسم الكلاسيكو أمام النصر    بدء إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025 عبر استمارة تحديث البيانات الجديدة    الرئيس السيسى يثنى على الخدمات المُقدمة من جانب صندوق تكريم الشهداء    موعد مباراة أتالانتا وميلان في الدوري الإيطالي    حسم موقف آدم كايد من مباراة الزمالك والبنك الأهلي    ضمن «صحح مفاهيمك».. واعظات «الأوقاف» يقدمن لقاءات توعوية لمكافحة العنف ضد الأطفال بشمال سيناء    افتتاح المتحف المصري الكبير 2025.. مصر تبهر العالم في أضخم حدث ثقافي بالقرن الحادي والعشرين    الإفتاء توضح الحكم الشرعي لتقنية الميكرو بليدينج لتجميل الحواجب    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    الداخلية تعلن البدء فى إجراء قرعة الحج بعدد من مديريات الأمن بالمحافظات    صانع محتوى يدّعى تعرضه للسرقة لزيادة المشاهدات.. والأمن يكشف الحقيقة    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    محافظ أسيوط يستقبل الرحلة الجوية المنتظمة بين القاهرة وأسيوط دعما لمنظومة النقل والتنمية بالصعيد    عشرات شاحنات المساعدات تغادر رفح البري متجهة إلى غزة عبر كرم أبو سالم    مقتل ثلاثة أشخاص في جامايكا أثناء الاستعدادات لوصول إعصار ميليسا    جراجات مجانية لأعضاء النادي في انتخابات الأهلي    الشبكة هدية أم مهر؟.. حكم النقض ينهى سنوات من النزاع بين الخطاب    دراسة: زيارة المعارض الفنية تُحسن الصحة النفسية    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة الأقصر    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    بالأرقام.. حصاد الحملات الأمنية لقطاع الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    ميسي يكشف عن موقفه من المشاركة في كأس العالم 2026    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    استقرار اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 28اكتوبر 2025 فى المنيا    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الوطن» ترصد هروب الغلابة من «ثمن تذكرة»
رحلة «الجوع والمرض والرعب» فى قطار «الصعيد الجوانى»
نشر في الوطن يوم 04 - 12 - 2014

«الفقر والجوع والمرض» مثلث رعب يتعايش معه الغالبية فى هذا الوطن ليل نهار، دون بارقة أمل فى الخروج من نفقه المظلم منذ سنوات طويلة. «قطار الصعيد» واحد من زنازين جلد الغلابة فى هذا المثلث، يحمل الفقر والجوع والمرض فى رحلة واحدة، «الوطن» شاركت ركاب القطار رحلة المعاناة اليومية، ورصدت وجوهاً أرهقها الألم، وفقراء يتراصون على رصيف المحطة فى انتظار القطار، منهم من يشكو معاناته لأحد أقاربه، ومنهم المودِّع زوجته وأولاده قبل السفر غير مأمون العاقبة «والله بقالى تلات سنين ما قادر أجيب جلابية» كلمات حزينة مكسورة قالها عماد عنتر، أحد المواطنين الموجودين على محطة قطار طهطا، عائداً إلى قريته التابعة لمحافظة أسيوط.
يجلس «عماد» مهموماً حزيناً واضعاً رأسه بين كفيه بحوزته «مقطف» من سعف النخيل، يحمل به «الرمان» الذى كان يأتى بها من قريته الصغيرة، لبيعه فى مدينة طهطا، لكسب رزقه، ويروى بابتسامته التى تسبق حديثه، أنه يجمع من بيعها 40 جنيهاً «أنا قاعد من ساعتين والله عشان أركب القطر.. أصله ساعات الكمسرى مش بياخد منى فلوس». مؤكداً أن ما يملكه من حصيلة رزقه التى يعول منها أسرته المكونة من تسعة أفراد، لا يكفى لإطعامهم لكى يدفع ثمن الميكروباص، ضرب جرس إنذار القطار وصعد الشاب.
بعينين تملؤهما الدموع يكمل الشاب الأسمر الذى قضى قرابة الثلاث سنوات فى بيع «الترمس»، فقرر أن يبحث عن مكان آخر لكسب مبلغ يساعد من خلاله والده، فذهب إلى أحد المحال التى عمل بها مقابل ثلاثين جنيهاً شهرياً، «أحسن من القعدة على الأرض وكل شوية أبيع الترمس بشلن وبريزة» الشاب يصمت قليلاً ليتذكر أيامه الصعبة التى مرَّ بها، مشيراً إلى أنه كان يعمل منذ السابعة صباحاً حتى الخامسة عصراً، وينهى عمله بأن يعطى له صاحب المخبز بأجره عيش «فينو» ليذهب به إلى البيت ويطعم أسرته المكونة من تسعة أفراد «آه والله كنت أروَّح البيت نتغدى ونتعشى بيهم، ومعاهم علبة جبنة». وعن أصعب موقف واجهه «عماد» فى حياته، قال «لما أكون أنا أو حد من إخواتى الصغيرين عيانين، ومش معانا فلوس نكشف، يبكى علينا أهلنا أكتر من بكائنا على وجعنا».
«سافرت قبل كده القاهرة عشان أشتغل مبيض محارة.. بس للأسف وأنا رايح الشغل فى مرة ثبتونى وضربونى أنا واللى معايا» يعبر الشباب العشرينى عن معاناته حينما ذهب إلى عمله صباحاً فاستوقفه أربعة من البلطجية يحملون أسلحة وأخذوا منه البطاقة وقاموا بتفتيشه وسرقوا كل ما بحوزته وضربوه، فقرر أن يعود إلى منزله تاركاً التهديدات والبلطجية التى يتعرض لها فى الغربة، ويبدأ فى بيع الرمان فى طهطا «وبقى الحال على ما هو عليه». أمثال عماد من ضحايا الفقر فى قطار الصعيد كثيرون، صابر عبدالله من إحدى قرى أسيوط، بدأت معاناته بعدم تمكنه من الحصول على عمل فى بلدته فقرر الذهاب إلى القاهرة ليبحث عن عمل بأحد المبانى السكنية «عايز أشتغل فى الخشب، أطلع رمل، أى حاجة، بس أجيب فلوس لعيالى». عندما غادر صابر أسرته التى تعانى من ضائقة مالية شديدة، ظل يتذكر فى كل لحظة «يا ريت الخمسين جنيه اللى اديتها لمراتى وعيالى التلاتة هتكفيهم ده أنا لسه هدوَّر على شغل»، التفت الشاب الثلاثينى إلى يمينه رافعاً رأسه عالياً والدموع تنزل من عينيه، ليصمت بعدها ويفكر فى أنه ترك زوجته وأولاده ولا يعلم هل سيجمع مالاً من عمله بالقاهرة وينجح فى توفيره لهم أم لا.
أربعة من الشباب، لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاماً، جلسوا عند باب القطار يلتفت أحدهم إلى المحصل فى استجداء، لأنهم لا يملكون ثمن التذكرة ليدفعوها، بحسب قول محمد إبراهيم، من ملوى بالمنيا: «إحنا معانا 50 جنيه أنا وولاد عمى وصاحبى، ولو جه الكمسرى مش هتقضى» كلمات يقولها «محمد» وهو ينظر إلى الأرض، وبخجل يكمل أنه قرر السفر إلى القاهرة ليقوم بالعمل فى «النقاشة» فى 6 أكتوبر، ليساعد والده المريض الذى يرقد حالياً فى المستشفى، تاركاً معه والدته وأخاه الصغير الذى لم يتجاوز 15 عاماً «أنا هسافر عشان تعبت، مفيش فلوس فى البلد، أعمل إيه لازم أسافر أجيب فلوس وأشتغل».
أحمد على ينطق بحرقة وقهر وهو يجلس بجوار محمد إبراهيم فى القطار، قائلاً إنه قرر السفر لكى يجمع مالاً يساعد به أسرته التى تتكون من خمسة أفراد وأخته التى تحتاج إلى تجهيزات لإتمام زواجها بعد خمسة أشهر، مضيفاً «مش عارف هقدر أجمع 5000 جنيه فى الخمس شهور دول ولا لأ، بس هحاول عشان أنا بحب أختى وعايزها تتجوز وترتاح»، يقاطعه صلاح ابن عمه قائلاً «إحنا مسافرين على حسب التساهيل مش عارفين هنشتغل ولا لأ عشان البلد حالها نايم».
صور «الفقر» هنا تدور فى كل زوايا القطار، شباب يتهربون من دفع التذكرة، ومنهم من يذهب للاختباء بين العربات حتى يفلت من قبضة «الكمسرى»، ومنهم من يصعد أعلى القطار معرضاً حياته للخطر، موفراً ثمن التذكرة لمصاريف أكله وشربه، كما يروى بهاء كمال، 22 عاماً.
يحمل أوراق التذاكر بين يديه وكشاف بطارية، بسبب ظلام بعض عربات القطار، ليجمع ثمن التذاكر من الركاب، إنه «الكمسرى» الذى يعلم جيداً حال كل مواطن داخل القطار، ويقول إن كثيراً من الركاب لا يستطيعون دفع ثمن التذكرة، «ممكن لو واحد قاعد على الكرسى ومش باين عليه الفقر أوى ومادفعش تمن التذكرة، هسلمه لمكتب الشرطة فى المحطة اللى بعدها وهى تتصرف».
كارثة «الفقر اللعين» تتجلى فى مشهد بعض الركاب الذين يختبئون بين عربات القطار من الخارج معرضين حياتهم للخطر، بسبب الزحام الشديد داخل القطار الذى وصل إلى حد التلاصق الشديد بين الركاب، وغالباً ما يؤدى هذا الوضع إلى الشجار بين الركاب، والسبب الثانى عدم امتلاكهم ثمن التذكرة، برغم أن كمسرى القطار قال إنه «يراعى بعض الشباب الذين لا يملكون ثمن التذكرة»، ويقول محمد نبيل، الشاب العشرينى، تعليقاً على ركوبه بين عربات القطار «هذا الوضع أصبح طبيعياً كل يوم بسبب الزحام ومفيش حد بيطيق حد».
وتمتد المأساة إلى حمامات القطار التى لا تصلح نهائياً للاستخدام، فيقول أحمد شعبان، عامل رخام، إنها تحولت إلى مكان للجلوس، فعندما يذهب أحد الركاب لقضاء حاجته يجد على الأقل ثلاثة أشخاص جالسين بداخله، بسبب الزحام الشديد، على الرغم من رائحة الحمام الكريهة.
الأمر لا يقتصر على رائحة الحمامات الكريهة، ف«البلطجية» هنا لهم دور فى معاناة الغلابة، حيث يستقلون القطار لفرض إتاوات أو السرقة، حيث سرقوا أحد الركاب داخل القطار «أمام أعين الجميع»، دون أن يجرؤ أحد على التدخل لأنهم مسلحون ب«الخرطوش» والأسلحة البيضاء، حسبما يروى ماجد موسى، الذى يعمل فى العاشر من رمضان، قائلاً: «فيه أربعة شباب اتجمعوا حوالين الراجل اللى كان قاعد على كرسى جنب الباب.. وسرقوه عينى عينك قدامنا كلنا ولما اتنين حاولوا يتدخلوا واحد من البلطجية طلّع فرد خرطوش وهددهم بالقتل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.