أمضيت ليلة لا توصف فى كآبتها وحزنها بعدما شاهدت هذا الفيديو اللعين من التكفيريين حول ما يفعلونه فى سيناء، وما جرى لكمين القوات المسلحة ب«كرم القواديس».. الخبث والجبن والمكر والغدر فى أعلى مستوياتها، ليس فقط فى الجريمة التى اقترفت، ولكن أيضاً فى طريقة تقديمها. من زاوية الاتصال الجماهيرى وحرفية التواصل مع الجمهور يعد الفيديو عملاً احترافياً خبيثاً ماكراً ماهراً غادراً هو الآخر، فهو يعرض الأمر بصورة تقلب الحقائق بمهارة، وتصور القتل بطولةً، والغدر إيماناً، والهجوم على الجيش مهمة مقدسة، كل هذا مغلف بآيات قرآنية شريفة، ومقتطفات من كلمات النبى الكريم وصحابته وسلفه الصالح، طريقة فى الإعداد والعرض والبث والخلفيات الصوتية والموسيقية لا يمكن على الإطلاق أن تتم على يد من يعيشون فى صحراء سيناء. أخطر ما فى هذا الفيديو على المُشاهد ليس فقط المَشاهد القاسية للشهداء، ولكن فى أنه يستمر لما يقرب من نصف ساعة، وهو خالٍ تماماً من أى لقطة أو مشهد ينبئ بأن هناك مواجهة أو دفاعاً أو دعماً أو اشتباكاً من أى نوع، ولا يظهر به جندى واحد من قواتنا المسلحة إلا وهو جثة هامدة، ولا سلاح إلا وهو محطم مدمر محترق، أو يجرى تفكيكه أو يعرض كغنيمة، وكأن الهدف إظهار الجيش وكأنه بلا خبرة فى الدفاع ولا قدرة على الهجوم ولا خطة لصيانة المعدات، وأنه لقمة سائغة أمام هؤلاء الأوغاد، ثم ينتهى الفيديو بخطبة تقطر سماً زعافاً، يستخدم صاحبها مفردات وكلمات براقة لتمرير أفكار فاسدة لا منطقية بالمرة. فيديو بهذه الطريقة تقف وراءه عقول تتجاوز فى مهارتها الإعلامية والفكرية قدرات من ظهروا به، ومن اقترفوا الجريمة على الأرض، فالرسالة به محددة واضحة وهى: «إنهم قادرون وجيش مصر غير قادر، وإنهم على صواب وجيش مصر مرتد، على خطأ»، والهدف زعزعة ثقة الشعب فى الجيش، على مستوى الأداء وعلى مستوى الحق والعقيدة. ولتوضيح الفكرة وإيصالها تم حشو الفيديو بلقطات منتقاة بعناية، لحظات تفجير مركبات وقتل جنود وفك أسلحة، ومشاهد لسلوك بعض الجنود والضباط مع مواطنين بسيناء لا يعرف مدى صدقها، وخلفية موسيقية وكلمات حماسية مغلفة بلهجة عقدية تدغدغ مشاعر البسطاء، وتسطو على عقولهم، وبين كل كلمة وأخرى يتم توظيف لفظ الجلالة وكلمات النبى الكريم وأفكار براقة كالشريعة وخلافه. لا بد أن نعترف بأن هؤلاء الأوغاد قدموا فيديو يسيطر تماماً وبلا منافس على الرسالة الإعلامية الخاصة بالحادث، بلقطات تبدو لمن يشاهدها حية جلية محايدة، فى حين أن النظرة المتأنية تقول إنه عمل دعائى أسود يقدم ما حدث من وجهة نظرهم فقط. لذلك فإن ما يمكن أن يحدثه هذا الفيديو فى عقول العامة والشباب الذى يتأرجح على الحافة بين شظف العيش وإحساس القهر وضغوط الحياة، مع قلة الوعى وقشرية العلم، يمكن أن يتجاوز كثيراً المأساة نفسها، وما نجم عنها من أرواح زكية راحت وهى تؤدى واجبها تجاه الوطن. وعلى هذا النحو فإن الفيديو ما هو إلا الموجة الثانية من خطة، موجتها الأولى الهجوم على الأرواح والأجساد والأسلحة والمعدات، وموجتها الثانية الهجوم على النفوس والعقول والأفكار، وليست الموجة الأولى سوى تمهيد الأرض أمام الثانية التى هى الهدف الأساسى طويل الأجل لهؤلاء الأوغاد. لا حلَّ لمواجهة هذا الفيديو سوى بإعلان الوجه الآخر للحقيقة، والرد بفيديو يظهر كفاءة الجيش وبسالة جنوده وضباطه، ويظهر حرفيتهم فى الأداء دفاعاً وهجوماً، سواء فى هذه الواقعة أو غيرها، فيديو يعى جيداً شراسة وخبرة وحنكة وأسلحة هؤلاء الأوغاد وهم يقدمون رسالتهم الإعلامية للناس، ويعى أيضاً أهمية أن يظهر الفارق بين تحضّر الجيش وإنسانيته وسلامة موقفة مقابل بربرية خصومه وشبقهم للدماء. نحن نثق أن كل هذه الصفات موجودة وثابتة لدى الجيش، وأن عقيدة الجيش القتالية والدفاعية مستمدة من الوطنية الخالصة وقواعد الحق والعدل والإسلام الوَسَطى السمح. الرد بالحقيقة هو الشىء الوحيد القادر على أن يثبت من اهتز، وأن يذهب الدهشة والذهول عن كل من شاهد هذا الفيديو المأساة وأصابه القلق وخيّمت عليه الكآبة.