فى يوم عبوس قمطرير، اغبرت فيه الحياة واكفهرت، فالكون بدا مظلماً كأن الشمس واقفة، والأرض كادت تنجاب بمن فيها وتساءلت فيه الدنيا فى دهشة: أيقتل خير الأجناد، يوم ظهرت فيه الدنيا مقطبة وجهها أريقت فيه الدماء الزكية، فسارعت الأرض فى ابتلاعها لتهنأ بجريان الطهر بين حناياها، دماء جنودنا الأبطال الذين أخذوا غدرا فى 67 حتى أتى يوم ابتسمت فيه الدنيا كلها بعدما عمها البكاء وتبارى الشعراء رثاء تفتحت فيه الأزهار وأشرقت من أجله الأنوار وعانقت فيه الزهرة النحلة، انجلت فيه الكآبة عن نفوسنا استعدنا فيه هيبتنا وشعرنا وقتها بعزتنا وكرامتنا، إنه يوم السادس من أكتوبر المجيد فقد أعاد -بفضل الله- للجندى العربى كرامته وللأمة احترامها؛ لأنها رصت الصفوف وحشدت إمكاناتها فكان الجندى العربى -لا أقول المصرى فحسب- جنباً إلى جنب، ففى هذا اليوم بدت الأمة متماسكة كالبنيان المرصوص كل فرد فيها يتأثر بجراح أخيه ويتداعى له جزعاً إذا تألم وسروراً إذا فرح وبدا الترابط والتماسك فى هذا اليوم شعار الأمة، ففى هذا اليوم قدمت العراق كل طاقاتها فقد شاركت بأسراب من الطيارات والألوية القتالية على الجبهة المصرية والسورية، أما السودان فقد ساهم باستضافة الكليات الحربية المصرية عندها وقدمت وحدات عسكرية قتالية وبرز دور المملكة العربية السعودية فى تقديم الدعم المادى السخى والنفط بل قطعت النفط عن دول الغرب، كما ساهمت دول الخليج العربى بنفس القدر وفتحت ليبيا قواعدها ومعسكراتها للتدريب والكليات المصرية واستوردت الأسلحة وطائرات الميراج ومدفعية الكورتال المتحركة والزوارق التى عبر بها جنودنا وشارك جنودها على الجبهة المصرية والسورية إلى جانب المساعدات المالية والنفطية وساهمت الجزائر بأفضل ما عندها من وحدات عسكرية وقدمت دعماً سياسياً قوياً، وقد أبلى الطيارون الجزائريون بلاءً حسناً فى هذه الحرب وأما سوريا فقد كانت شريكاً كاملاً لنا فى هذا الميدان حيث انطلقت أولى طلعات للطيران على الجبهتين فى ساعة واحدة فى موقف مدهش أربك العدو والحقيقة أن البلاد العربية -كل البلاد العربية- ساهمت بالدم والمال ولا يوجد دم عربى لم يرق على جبهة قناة السويس، كل هذا الدعم -الذى شاركت فى صناعته الشعوب قبل الأنظمة- فى تزامن أذهل العالم فقد بدا جسد الأمة بنياناً واحداً وأعطى هذا التلاحم قيمة للأمة نذكره فى هذا اليوم التاريخى لنأخذ منه العبر، كما أدعو السيد الرئيس وخارجيتنا وقواتنا المسلحة فى مثل هذا اليوم أن تكرم كل من ساهم معنا فى صناعة هذا التاريخ وأن نؤسس عليه علاقاتنا بهذه الدول وأن نمسح الغبار عن خلافاتنا وأن يكون دور مصر دائماً وأبداً مدافعاً عن استقرار هذه الدول والمنطقة بشكل عام وأن تحمل مصر على عاتقها قضية الأمة والدفاع عنها فى كل المحافل الدولية، كما لا يفوتنى أن أستسرع الرئيس لإنجاز حل الأزمة فى سوريا فدين علينا -بمناسبة ذكرى أكتوبر المجيدة- تحرير الشعب السورى الأبى الذى شارك معنا -كما ذكر الرئيس فى خطابه الأخير باستاد القاهرة- فى تحقيق انتصار أكتوبر المجيد مع التأكيد على رفض مصر أى تدخل أجنبى فى سوريا بما يحفظ للأمة هيبتها ويصون لها كرامتها، فما يجرى فى سوريا وليبيا وفلسطين والسودان وكافة الدول العربية يهمنا قبل غيرنا، فلا يخفى علينا أن هناك هجمة بربرية تترية تستهدف حدودنا وعمقها الاستراتيجى ما بين التقسيم والحرب الأهلية ونشر الفوضى ناهيك عن الفتن الطائفية، لكن السؤال الذى سيظل حائراً أبد الدهر لماذا خرج العرب أشتاتاً بعد هذا النصر الكبير على الرغم من أن النصر يجمع ولا يفرق وكان من الممكن صناعة إمبراطورية عربية كبرى.