يتحرك بين طاولات المقهى في خفة، حاملا بين يديه حقيبة بلاستيكية مملوءة بخيوط ملونة، يجذبه نداء أحد الجالسين فيخطو نحوه مسرعا، يجلس إلى جواره ويستعرض أمامه ألوان الخيوط التي جلبها معه، ينهمك في تنفيذ المهمة المطلوبة.. دون أن تغادر وجهه الابتسامة أو يتوقف عن الحديث مع "الزبون". وجه "أحمد" الضاحك وصوته الرنان يألفه كل من يجلس على مقهى "باب الورد" ممن يرتدون "حظاظة" أو أكثر صنعها لهم الصبي الصغير من الخيط. بين المدرسة والمنزل يقضى "أحمد" يومياته المتشابهة.. يسكن ويتعلم في حي القلعة ويعمل بوسط البلد "بروح البيت بعد المدرسة أذاكر ساعة بعدين أنزل أشتغل"، يقول "أحمد" مفتخرا بما يفعل. أب لم يراه "صانع الحظاظات" سوى مرتين وأم مريضة لا تغادر فراشها.. ظروف جعلت مسؤولية كسب الرزق وتوفير قوت كل يوم على عاتق "أحمد" وشقيقه الأكبر مصطفى، "أخويا أكبر مني بسنتين وبيشتغل هو كمان سايس في وسط البلد"- بحسب كلامه. العمل بمهنة الأخ الأكبر كان الاختيار الأقرب لأحمد، إلا أن شغفه وحبه لتحويل الخيط إلى "حظاظات" جعله يعمل في "الصنعة" الجديدة ويتميز فيها، يقول الصبي القاهري "كنت بشوف صحابي بيعملوا حظاظات وسلاسل من الخيط لقيتها فرصة أعمل حاجة بحبها وأكسب فلوس كمان فخليتهم يعلموني". خمسون جنيها يحصل عليها أحمد من عمله يوميا يعطيها إلى والدته لسد احتياجات المنزل، لكنه يستقطع منها خمسة عشر جنيها من أجل إنفاقها على مجموعات التقوية في المدرسة، "نفسي أطلع مهندس عشان كده بذاكر كويس جنب الشغل"، كلمات تحمل كثير من الأمل والحيوية يقولها "أحمد".