الرشوة مسلك فاسد، شاء من شاء وأبى من أبى. وأرفض أى محاولة من أى شخص لتزيينها أو الحديث عن كونها نتاجاً طبيعياً لتدنى مرتبات موظفين واعتبارها إكرامية أو بدل تحفيز على العمل، وهى فساد فساد فساد قولاً واحداً فصلاً. الذاهب لشَغل وظيفة أياً كانت فى أى مكان وأى مؤسسة أو ديوان أو غيره يعلم مستوى الرواتب وما دام قبل به فعليه بالعمل. وأى تبرير لقبول الرشا وفتح الدرج وتفتيح الدماغ والقول «إشمعنى أنا ما كلهم كده؟» معناه أكل الحرام. سحت والعياذ بالله وربنا سبحانه وتعالى مبينضحكش عليه. الحلال بيّن والحرام بيّن. لكنى هنا لا أتحدث فقط عن المرتشى «أبومرتب قليل» الذى يحلو للبعض الدفاع عنه. المرتشى لن يرتشى إلا إذا وجد من يقدم له الرشوة، ولذلك لعن الله الراشى والمرتشى. وإذا كان هناك من برر للمرتشى فعلته متحججا بضيق ذات اليد، فتعالوا نحاول التعمق فى نفسية الراشى. الراشى عادة يريد الحصول على ما ليس له. نعم، ما ليس له حتى لو كان ذلك خروجاً عن الطابور وقفزاً على الدور الذى سبقه إليه المنتظمون فى ذلك الطابور. لماذا يفعل ذلك؟ خراب الذمم إن كان يريد الحصول على حق آخرين أو ما ليس له فى حالة الطابور لأنه هو الإنسان الطاووس الذى يرى نفسه أفضل الناس وأحسنهم وليس من هذا الكوكب. وقد لاحظت كرهاً شديداً من المصريين لفكرة الطابور فى أساسها. يرون أن الطابور إهانة وأن الذين يقفون فيه متخلفون وغلابة «ينضربوا على بطنهم لأن ملهمش ظهر يحميهم». وأقسم بالله العظيم أن الطابور هو أحد مظاهر الحضارة والإنسانية. اذهب إلى أى دولة متقدمة محترمة ستجد الجميع يصطف فى الطابور لأن هذا معناه أن أموره ستنقضى بأسرع وقت ممكن. عشت فى إنجلترا سبع سنوات كنا نصطف فيها على موقف الأوتوبيس. المحطة يرد إليها خمس أو ست أو حتى عشر خطوط أوتوبيس. والطابور واحد. وحينما يصل الباص الذى تريده يتفرع من الطابور الأساسى طابور آخر ثانوى لصعود الباص. فإن امتلأ الباص عاد الذين لم يركبوا إلى أدوارهم فى الطابور الكبير وبالطبع محدش بيطلب منهم يرجعوا آخر الصف. السبب فى احترام الطابور ليس أن هؤلاء «بقر» أو «مش ولاد ناس» كما نفكر هنا. السبب ببساطة أن تربية هؤلاء من الصغر فى البيت والمدرسة تقوم على فكرة المساواة. نعم، لا أحد أفضل من أحد. إن حضرت مبكراً تسبق من يحضر متأخراً ودورك جاى جاى. يعنى مفيش حد أحسن من حد ولا كلام من قبيل: متعرفش أنا مين أو أنا ابن مين ومفيش بادج متعلق على صدرك ينططك الطابور أو يستثنيك من الدور أو أو أو. ما مناسبة الربط بين الرشوة والطابور؟ كتب زميل على صفحته فى «فيس بوك» أنه ذهب لاستخراج أوراق رسمية من ديوان ما ووقف فى الصف فلاحظ أنه لا يتحرك وجاءه عامل البوفيه ليقول له إن الورقة التى تتكلف 7 جنيهات ستتكلف 15 جنيهاً وتنجز فى خلال دقيقتين اتنين بدلاً من الانتظار ساعتين. الزميل دفع وخلص نفسه وكان بيسأل إن كان قراره صواباً. لا بالطبع، مهما اتقال لك إنهم بيوقفوا ناس فى الطابور يبطئوا الحركة حتى تمل وتدفع. كافحهم يا أخى. حاربهم بكل ما تملك. لا تيسر لهم نهبك. وما يحدث هذا نتاج طبيعى لتكدس موظفين لا يحتاجهم أى عمل وكل واحد بيرمى على اللى جنبه وكل واحد اسمه بيروح الشغل وبييجى من الشغل مع الوضع فى الاعتبار الزوغان وخط السير والاستئذان والعارضة والمرضى وكل تلك الأشياء. هذا هو الحال للأسف، الراشى والمرتشى أسوأ من بعضهما. لا مبرر للرشوة. كان هؤلاء يخشون الطلب فى أعقاب ثورة يناير وأغلقوا الأدراج.. فمَن فتحها مرة أخرى؟ وبعدين نقعد نشتكى من الفساد. اتقوا الله يجعل لكم مخرجاً.