حصلت «الوطن» على تقرير حكومة المهندس إبراهيم محلب، الخاص بأزمة سد النهضة الإثيوبى وتأثيره على الأمن المائى المصرى، والذى أكد اقتداء بعض دول الحوض ب«أديس بابا» وشروعها فى بناء سدود مشابهة للسد الإثيوبى. وأرجع التقرير، الذى حمل اسم «ملخص سياسات.. إدارة أزمة حوض النيل» الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء فى أغسطس الماضى، سبب الأزمة إلى إغفال مصر حاجة دول الحوض فى التنمية وتوفير المتطلبات المعيشية والحياتية لسكانها الجدد المتزايدين سنوياً، إذ بلغ عدد سكان إثيوبيا 85 مليون نسمة فى عام 2011 ومن المتوقع زيادتهم إلى 145 مليوناً بحلول عام 2050، طبقاً لتقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. وأوضح التقرير أن إغفال الدولة المصرية لحاجة تلك الدول للتنمية أفسح المجال لدول مثل الصين وتركيا وإسرائيل لتلعب هذا الدور وبالتالى أصبح لها وزن فى التأثير على قرارات دول حوض النيل بما يخدم مصالحها. وأشار التقرير إلى أن مقاطعة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك لمؤتمرات القمة الأفريقية منذ حادثة محاولة اغتياله فى أديس أبابا فى عام 1995 أفقد مصر كثيراً من مكانتها ودورها الريادى فى القارة الأفريقية ككل، ودول حوض النيل على وجه الخصوص. ولفت إلى هشاشة العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول حوض النيل؛ إذ تشير البيانات الرسمية خلال عام 2012 إلى أن نسبة واردات مصر من دول الحوض إلى إجمالى الواردات بلغت حوالى 0.65%، كما بلغت صادراتها لها حوالى 3% من إجمالى الصادرات وهو ما يوضح هشاشة حجم التبادل التجارى بيننا وبينهم، طبقاً لإحصائيات «المركزى للإحصاء». وأكد التقرير أن بدء «أديس أبابا» فى بناء سد النهضة تكمن خطورته فى التأثير على حصة مصر من مياه النيل واقتداء العديد من الدول الأفريقية بإثيوبيا وشروعها فى بناء سدود مشابهة لسد النهضة بشكل يهدد حصة مصر من مياه نهر النيل. وأشار إلى تفاقم مشكلة تقاسم مياه النيل، بحيث تطالب بعض الدول بإعادة تقسيم المياه، وإعادة توزيع الأنصبة وعدم استئثار دول المصب «مصر، وجنوب السودان، وشمال السودان» بالإيراد المائى لنهر النيل، بل إن أصواتاً فى بعض دول المنبع تدعو إلى ضرورة اعتبار المياه «سلعة اقتصادية». بيد أن دور الكنيسة المصرية فى تعزيز العلاقات مع دولة إثيوبيا تراجع عقب انفصال الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة المصرية مما سمح لكثير من الدول الأخرى بأن تزيد العلاقات توتراً. وأوضح أن أحد الأسباب هو رفض دول منابع حوض النيل شرط الإخطار المسبق عند القيام بمشروعات مائية أو عندما تزمع اتخاذ تدابير مائية فى نطاق حدودها الوطنية مُعللة بأن هذا يقع فى إطار السيادة الوطنية. وشدد التقرير على أن تحقيق الأمن المائى للمواطن المصرى يتطلب تنمية الموارد المائية المتاحة وهو ما يتحقق من خلال وضع منظومة متكاملة من الإجراءات والمعايير يتضافر فى تنفيذها كل من الحكومة والمجتمع المدنى للحفاظ على الموارد المائية وتنميتها، وتوطيد العلاقات مع دول منابع نهر النيل فى المجالات السياسية والاقتصادية، ووضع خطة تعاونية شاملة قائمة على تحقيق المصالح المتبادلة. وأوضح التقرير أن الدولة المصرية تمتلك بدائل عديدة لحل الأزمة الحالية بهدف تحقيق الأمن المائى المصرى من أبعاد اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وثقافية واجتماعية. وأوضح أن بدائل حل الأزمة تبدأ من إمكانية مساعدة دول الحوض فى تنفيذ بعض من مشروعاتها التنموية كدعم مشروعات استزراع الأراضى بها وخاصة فى تنزانيا، وجنوب السودان، وأوغندا، وإثيوبيا، وكذلك دعم مشروعات الصرف الصحى ومياه الشرب نظراً لامتلاك المصريين الخبراء فى العديد من المجالات التى تحتاجها تلك الدول. ولفت إلى ضرورة التركيز على العلاقات مع دولتى شمال السودان وجنوب السودان وبناء شراكات اقتصادية حقيقية معهما من خلال حرية انتقال رؤوس الأموال، وتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار بهما من خلال تقديم تسهيلات للمستثمرين مثل تقديم إعفاءات ضريبية وتسهيلات جمركية فى مقابل الاستثمار فى تلك الدول، مشيراً إلى ضرورة فتح أسواق بدول حوض النيل للمنتجات المصرية وتوسيع نطاق مشاركة العديد من الشركات المصرية فى المعارض السنوية عن طريق تعاون وزارة التجارة الخارجية مع نظرائها فى دول حوض النيل. وتابع: «يمكن لمصر أن تعقد اتفاقيات مشتركة للاستفادة من هذه الطاقة والضغط بهذه الميزة لحماية المصالح المائية المصرية بحوض النيل». وأشار إلى أهمية «تفعيل الاتفاقيات الدولية مع دول حوض النيل ومنطقة شرق أفريقيا كاتفاقية الكوميسا» بهدف تعظيم الاستفادة منها من خلال التركيز على مجالات التنمية، فضلاً عن إحياء المشروعات التى من شأنها زيادة الموارد المائية لدول حوض النيل كمشروعات استغلال الفواقد المائية فى المنابع الاستوائية فى منطقة بحر الغزال بالسودان، وفى منطقة المستنقعات فى جنوب السودان، ومشروع قناة جونجلى الذى من شأنه استغلال الفواقد المائية المهدرة. ولفت إلى إمكانية إنشاء خطوط نقل بحرى منتظمة إلى الموانى الأفريقية. كذلك يجب تفعيل وكالة التعاون من أجل التنمية فى أفريقيا بهدف تنسيق المساعدات الحكومية المصرية التنموية للقارة الأفريقية، وتحقيق التنمية المستدامة من خلال برامج التعاون الفنى والبرامج التدريبية لبناء قدرات الكوادر الأفريقية فى مختلف المجالات لا سيما الزراعة والصحة والتعليم والأمن والدبلوماسية والقضاء والإعلام، بالإضافة إلى تقديم المنح المالية، مضيفاً: «جدير بالذكر أن الوكالة تقدم العديد من المساعدات الإنسانية خاصة لمواجهة الكوارث الطبيعية، والأزمات البيئية، والسياسية». ولفت إلى ضرورة تحسين الإطار التشريعى والتنظيمى الحاكم للاستثمارات والتغلب على أوجه القصور الذى تعتريه، وذلك من خلال حماية الاستثمار، ومنع الازدواج الضريبى، وتسهيل الإجراءات، والتيسير على المستثمرين خاصة صغار المستثمرين، وعقد منتديات استثمارية فى مختلف الدول الأفريقية للترويج للاستثمارات وتبادل الأفكار والخبرات والمعلومات. فضلاً عن ضرورة إنشاء موقع على شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» لتوفير كل البيانات اللازمة للمصدرين، والمستوردين الخاصة بالسلع التى يمكن تبادلها، والاتفاقيات المبرمة، والتكتلات الاقتصادية التى تربط بين مصر ودول أفريقيا. أما عن الحلول السياسية والدبلوماسية، فشدد التقرير على أهمية تفعيل عمل لجنة الخبراء المكونة من خبراء وفنيين من علوم البيئة والطاقة والقانون الدولى من مصر والسودان وإثيوبيا لتقريب وجهات النظر بشأن موضوع «سد النهضة» الذى يجرى بناؤه حالياً على مجرى النيل الأزرق، وذلك من خلال إجراء اجتماعات دورية منتظمة تجمع كل الأطراف للوصول لحلول مرضية. وأكد على ضرورة تفعيل الدبلوماسية الشعبية فى إذابة المشكلات العالقة بين مصر ودول حوض النيل، وذلك من خلال تفعيل دور المجتمع المدنى كالنقابات والأحزاب والجمعيات الأهلية وغيرها، خاصة أنه تم إنشاء اتحاد إقليمى لنقابات عمال ودول حوض النيل، وإنشاء المنتدى الدولى لحوض النيل فيما يعزز هذا الاتجاه. وأشار إلى أهمية إيجاد آلية مؤسسية تجمع دول حوض النيل وتعمل على مراقبة تنفيذ الاتفاقيات الدولية ومدى التزام دول حوض النيل بقواعد القانون الدولى، وتفعيل المشروعات التنموية المشتركة بين دول الحوض، وحسن استغلال موارد النهر. وعن الأبعاد الثقافية والاجتماعية لحل الأزمة، شدد على ضرورة تعظيم الاستفادة من التعاون الرياضى بين مصر ودول حوض النيل، فضلاً عن التوسع فى التعاون الإعلامى عبر تنفيذ برامج محددة ومفصلة تتضمن الالتزام بإذاعة أفلام درامية مصرية شهرياً، وأفلام تسجيلية قصيرة «سياسية وإعلامية وسياحية» ومواد موسيقية وفولكلورية متنوعة.