هل يمكن إذا أحببنا شيئا ووجدناه أمامنا نهرب منه ونبتعد عنه؟ سؤال كلما سألته سمعت نفس الإجابة.. لا تصدق كل ما تراه على الشاشة يا جيمى، الناس أحيانا تحب الصورة وتكره الأصل. كل الأطفال وحتى الكبار يحبون جدى ميكى ماوس ويعجبون بذكاء عمى جيرى فى مغامراته مع القط توم، يرد أبى قائلاً..لكنهم يحبون توم فى الحقيقة، يقتنون القطط ويهربون فزعاً من رؤية فأر صغير.. لو يعلم أبى كم أحب الأطفال وأفرح برؤيتهم فى قاعة السينما التى ولدت بها ولم أر فى الدنيا غيرها، من شاشتها تعلمت ورأيت الكثير من الحكايات، ومن شدة حبى لعمى جيرى وجدى ميكى أطلقت على نفسى اسم جيمى لأجمع بين الاسمين معاً. على شاشة السينما رأيت فيلماً اسمه (ستيوارت ليتل) أو الفأر الشقى، يحكى عن عائلة لديها طفل وحيد استضافت فأراً فى المنزل ليكون صديقاً لطفلها، تمنيت أن أكون مثل الفأر البطل ووجدت طفلا يشاركنى أمنيتى ويطلب من والده أن يستضيف فأرا فى المنزل وسمعت نفس الرد.. لا تصدق كل ما تراه على الشاشة يا تامر. أنا وتامر لدينا نفس الحلم الذى قررت أن أجعله واقعاً.. انتهى الفيلم حمل تامر حقيبته عائداً للمنزل، وفى غرفته وبينما تامر يشاهد فيلماً لتوم وجيرى، قفزت من الحقيبة ووقفت أمامه قائلاً فى مرح.. أنا صديقك جيمى، ما رأيك فى هذه المفاجأة يا تامر؟ صرخ تامر الحقونى.. فأر.. وقفز بسرعة فوق السرير بينما اختبأت أنا فى حذاء تامر الذى رأيته تحت المكتب، بحث عنى والد تامر فى الغرفة لكنه لم يرنى، أما والدته فقد احتضنته قائلة.. أرأيت يا تامر كم شعرت بالفزع عندما رأيت الفأر على الطبيعة، لا تصدق كل ما تراه على الشاشة. بكى تامر ولم ينم فى غرفته من شدة الخوف. غرف الأطفال التى رأيتها على الشاشة كانت نظيفة، مرتبة، لكن غرفة تامر كانت عكس ذلك تماما، بقايا أكياس الحلوى تتناثر على الأرض، والكتب والملابس فى كل مكان. فى الصباح اختبأت داخل جيب صغير بحقيبة تامر، حمل تامر حقيبته وطلبت منه والدته أن يأكل الشطائر التى أعدتها له ولا يعود بها مثل كل يوم، فى الطريق للمدرسة، رأيت لأول مرة الشارع ووجدته غير صورته التى رأيتها على الشاشة، كان مزدحماً بالسيارات التى تسير بسرعة ولا تحترم قواعد المرور، وبرغم وجود صناديق للقمامة كانت القاذورات تنتشر فى وسط الطرق. جلس تامر فى الفصل أمامه كتاب وضع فيه مجلة يقلب فيها ولا ينتبه لشرح المعلم، انتهت الحصة ووقعت المجلة على الأرض بسرعة التهمتها وكانت وجبة شهية.. دق جرس الفسحة واندفع تامر وسط التلاميذ ليشترى كيساً من الحلوى أكله.. انتهى اليوم الدراسى وعاد تامر للمنزل وغضبت والدته عندما وجدته لم يأكل الشطائر. فى المساء، جلس تامر يلعب «البلاى ستيشن» ورأيت كم هو ذكى وسريع البديهة، وتمنيت أن يصبح الأول فى امتحان آخر العام بدلا من أن يكون الأول فى مسابقات «البلاى ستيشن»، وقررت أن أساعده.. فى الليل تسللت وأخذت المصروف من الحقيبة ووضعته فى الحصالة التى رأيتها فارغة تماماً، وفى اليوم التالى لم يستطع تامر أن يشترى الحلوى ككل يوم واضطر أن يأكل الشطائر التى لم يفكر يوما فى تذوقها ليكتشف كم هى لذيذة، اقتربت أيام الامتحان وتامر لا يزال يسهر كل ليلة يلعب «البلاى ستيشن» بينما والداه يعتقدان أنه يسهر ليستذكر دروسه، قرضت بأسنانى سلك «البلاى ستيشن» دون أن يشعر فتوقف الجهاز عن العمل وبالطبع لم يخبر تامر والده حتى لا يكتشف أنه كان يلعب ويهمل دروسه، واضطر تامر أن ينام مبكرا ولأول مرة يستيقظ قبل ميعاد المدرسة وهو يشعر بالنشاط والحيوية، وفى حصة الألعاب كان الأول فى سباق الجرى، وشعر تامر بالتميز الذى حفزه على الاستذكار والاجتهاد.. وشيئاً فشيئاً، تغير سلوك تامر من الإهمال والأنانية إلى النظام والشعور بالمسئولية، كنت أساعده دون أن يشعر بوجودى، أرتب له حقيبته ومكتبه وتفرح والدته ظنا منها أنه رتبها. وفى يوم عيد الأم ولأول مرة كانت حصالة تامر مليئة بالنقود التى وجدتها متناثرة فى كل أنحاء الغرفة، فجمعتها وفى الحصالة وضعتها واشترى تامر لوالدته هدية جميلة فرحت بها.. ظهرت نتيجة الامتحان ونجح تامر بتفوق وشعرت أننى شريك فى هذا النجاح، بالرغم من أننى فشلت فى تغيير مشاعره ونظرته لى أنا وكل الفئران، كنت فخورا أنه صار تلميذاً متفوقاً، يفخر به أبواه ومعلموه. واليوم قررت أن أعود للسينما التى أحببتها، وللأطفال الذين يخافون رؤيتى على الطبيعة ويسعدون برؤيتى على الشاشة.. لست نادماً على رحلتى مع تامر فقد تعلمت منها ألا أصدق كل ما أراه على الشاشة، ومن يدرى ربما أصبح يوماً بطلاً لقصة عنوانها تامر وجيمى.