تُعد سوق الجِمال بمركز «دراو»، شمال محافظة أسوان، وبالتحديد فى المنطقة الشرقية لنجع الغابة، هى القبلة الأولى لتجار الجمال ومربيها، بدأ العمل بالسوق فى مطلع السبعينات من القرن الماضى، وهى إحدى العلامات التجارية المميزة لمركز ومدينة دراو عن مدن المحافظة الأخرى، ويفد إليها التجار من شتى أنحاء الجمهورية عامة والصعيد خاصة، يومى السبت والأحد من كل أسبوع، ويوجد فيها نحو 2500 رأس جمل بمختلف أنواعه، وغالباً ما يرحل التجار بعد فض السوق إلى سوق إمبابة بالقاهرة، التى تُعد امتداداً طبيعياً لسوق دراو والشلاتين، وتزدحم الشوارع المؤدية للسوق بمئات السيارات و«التوك توك» التى تقوم بنقل الوافدين إلى مكان السوق الذى يبعد عن الطريق الرئيسى أسوان / القاهرة الزراعى بنحو 2 كيلو. «دراو» يلجأ لها التجار ليجدوا ضالتهم من الجمال فيستفيد منها الجميع؛ بمكسبها إذا كنت تاجراً، ومن لحومها إذا كنت مستهلكاً، ومن ألبانها إذا كنت مريضاً، فعدد كبير من أهلها يعملون فى هذه التجارة وتربطهم علاقات الود والألفة مع «النياق» و«القعود». يستورد التجار الجمال من الدول الأفريقية القريبة كالسودان وإثيوبيا وإريتريا، والتى تشتهر بتربية الجمال والإبل والمواشى، وكانت الجمال منذ زمن بعيد تقطع مسافات كبيرة سيراً على الأقدام لتصل من السودان إلى مصر، ولكن مع مرور الوقت وتطور الطرق ووسائل النقل وتعدد المعابر، تغير الحال تماماً، حيث أصبح نقلها من خلال الشاحنات الكبيرة التى تحمل عشرات الرؤوس من الجمال، خاصة أنها تأتى من خلال معبرين بجنوب مصر، الأول المعبر الشرقى من خلال الشلاتين التابع لمحافظة البحر الأحمر ثم تدخل لأسوان من ناحية الجنوب الشرقى للمحافظة، والثانى الغربى من خلال طريق مدينة أبوسمبل السياحية. أما تجار الجمال فيعلمون كل كبيرة وصغيرة عنها، فالجمال التى تأتى من المعبر الشرقى من ولايات كسلا ودنقلة وبورسودان هى الأفضل لاعتمادها فى الرعى على المراعى الطبيعية، بينما الجمال المقبلة من الولاياتالغربية تعتمد على الملح والعطرون فى طعامها مما يكسب لحمها المرارة والملوحة وتكون أقل سعراً من الأخرى، وتختلف الجمال وتتعدد أنواعها، فهناك الجمل الساحلى الذى يتسم بالقصر والحمرة والذى يعتبر أفضل الأنواع. وقال عوض هدل، من كبار مشايخ قبيلة البشارية بأسوان، إنه ورث مهنة تجارة الجمال عن الأجداد والآباء، وبالرغم من أن مهنة «تاجر الجمال» فيها بعض المشكلات، إلا أنها تبقى من المهن المحترمة التى يحرص الكثيرون على توريثها لأبنائهم من بعدهم، وتاجر الجمال يختلف عن غيره من التجار حيث إن الكلمة التى ينطق بها تمثل عقداً موثقاً، وهو ما أدى إلى استمرارها حتى هذه اللحظة رغم الزيادة الكبيرة فى الأسعار، وعدم توفر السيولة الكافية لإتمام عمليات الشراء، حيث إن التجار فى أغلب الأوقات لا يملكون المال الكافى للشراء، إلا أنهم يشترون بدون مال على وعد السداد، دون توقيع إيصالات أمانة أو شيكات، ومع أن المبالغ تكون مرتفعة فى بعض الأحيان وتصل لمئات الآلاف من الجنيهات إلا أن شرف المهنة يمنعنا من اللجوء إلى تلك الضمانات، لأننا من قبائل وعائلات كبيرة وتحكمنا العادات والتقاليد وكلمتنا شرف وسيف على رقابنا. وأضاف «هدل» أن العشرة الطويلة التى تقوم بين التجار و«الجمال» تدفعهم إلى التغاضى عن المشكلات التى تواجههم فى تلك التجارة، كما أن سمة الصبر التى تتصف بها الجمال أثرت على التجار الذين تعلموا الصبر كجمالهم.