تشكل الاضطرابات الجيوسياسية التى شهدها العالم مستوى جديداً من التهديد للبنية التحتية للعولمة. وباتت الصراعات الفعلية والمحتملة فى أوكرانيا والشرق الأوسط وفى أماكن أخرى من العالم تمثل خطراً حقيقياً على الانتعاش الاقتصادى. تدفع زيادة العقوبات الاقتصادية فى أعقاب الخطوات التى اتخذتها موسكو فى أوكرانياروسيا باتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتى أكثر فأكثر. وفى الوقت الراهن، يؤدى ضعف رد الفعل الأمريكى على هذه التحديات إلى إضعاف الاستقرار والقدرة على التنبؤ، اللذين يشكلان أساس الترابط الاقتصادى. وإذا ما تضاءلت الثقة فى البنية التحتية للعولمة، فإن التدفق الحر لرؤوس الأموال والبضائع والخدمات بين الحدود سوف يضعف ويتدهور. وفى منطقة اليورو، أصبح النظام المصرفى مجزَّأً على نحو متزايد. والآمال بالتحرك باتجاه اتحاد مصرفى كامل تلاشت منذ فترة طويلة، مع استمرار إدارة حل البنوك على مستوى محلى وطنى بدلاً من أن يكون إقليمياً وعالمياً. وتنعكس حالة ضيق الأفق الجديدة السائدة فى الطريقة التى شجعت من خلالها الحكومات الأوروبية المصارف لديها على تقليص ميزانياتها العمومية، وفى الوقت ذاته الطلب منها أن تقدم مزيداً من القروض للشركات والمشروعات الصغيرة. ويزداد النقاش حول السياسات فى أنحاء العالم بخصوص فرض ضوابط على تدفقات رؤوس الأموال. وبالنسبة للتجارة والاستثمارات، فرضت الأزمة المالية على الكثير من الشركات والمؤسسات عملية إعادة تفكير فى أعمالها؛ إذ يرى العديد من الشركات أن سلاسل التوريد خاصتها كان مُبالَغاً فى توسعها وامتدادها وقررت العودة إلى أسواقها المحلية. كما تشجع الخلافات الإقليمية على إعادة التفكير فى موقع الاستثمار، لا سيما فى ضوء الهجوم الذى تعرضت له الشركات اليابانية فى الصين والعداء الذى تُظهره الجهات التنظيمية تجاه الشركات الأجنبية بشكل عام. سؤال واحد بالنسبة للعولمة يتمثل فيما إذا كانت هناك نقطة تحول ستتآكل عندها الثقة وتؤدى إلى امتناع الناس عن السفر ومقاطعة المحلات التجارية وعدم الاستثمار فى مصنع وآلات جديدة، وهذا الأمر الأخير حيوى ومهم للحفاظ على الانتعاش الاقتصادى. وإذا حصل هذا الأمر فإن النتيجة ستكون، بالمصطلحات الاقتصادية، سلسلة من الصدمات السلبية فيما يتعلق بالطلب. والاقتصاد العالمى فى وضع سيئ أصلاً تضعف قدرته على التكيف مع أمر كهذا. إن العائق الأقوى أمام النمو يتمثل فى فقدان الثقة فى الأنظمة التى جعلت من زيادة الترابط العالمى أمراً ممكناً. وما من شك بأن الأحداث الجيوسياسية تدفعنا، على أقل تقدير، إلى منطقة اقتصادية خطرة.