الرئيس السيسي يوقع تعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب    وزير الري يشيد بجهود العاملين خلال عطلة عيد الأضحى    فتح باب التقديم لوظيفة مدير عام المجازر والصحة العامة بمديرية الطب البيطري بالغربية (الشروط)    انخفاض سعر الريال السعودي أمام الجنيه في 4 بنوك اليوم    الثلاثاء 10 يونيو 2025.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    ارتفاع الأسهم العالمية والدولار مع تقدم المحادثات التجارية بين أمريكا والصين    لا تهاون مع التعديات.. إزالة فورية لبناء مخالف بدندرة    وزير المالية يوجه بتسهيل الإجراءات الجمركية لضيوف الرحمن    وزير الإسكان يتابع مشروعات المرافق الجاري تنفيذها بالعبور الجديدة    رغم ترحيل جريتا ثونبرج.. 8 نشطاء رفضوا التوقيع على وثائق الترحيل الطوعي من إسرائيل    استشهاد 4 مسعفين برصاص الاحتلال أثناء تأديهم واجبهم الإنساني في حي التفاح بغزة    عائلات الأوكرانيين المفقودين تتجمع مع بدء تبادل الأسرى    وزيرة إسبانية تدين اختطاف السفينة مادلين : يتطلب رد أوروبى حازم    لبنان: استشهاد لبناني ونجله فى غارة إسرائيلية على شبعا    مستوطنون يقتحمون باحات "الأقصى" بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي    كندا تتعهد برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي استجابة لضغوط "الناتو"    الدبيس: أتمنى المشاركة أساسيا مع الأهلي في كأس العالم للأندية    "سيصل إلينا يوماً ما".. كلمة مؤثرة من جوارديولا على الأحداث في غزة (فيديو)    الأردن ضد العراق: الموعد والقنوات الناقلة مباشر في تصفيات كأس العالم 2026    "بطريقة طريفة".. لاعبو الأهلي يرحبون بزيزو (فيديو)    مباريات اليوم.. ختام المرحلة الثالثة بتصفيات آسيا للمونديال    إمام عاشور: الأهلي غيّرني    تعليم سوهاج: بدء تصحيح أوراق الشهادة الإعدادية اليوم الثلاثاء    تحذير من طقس اليوم.. الأرصاد تعلن استمرار الأجواء شديدة الحرارة    كوارث الانقلاب اليومية ..إصابة 33 شخصا بتسمم غذائي بالمنيا وسقوط تروسيكل فى مياه النيل بأسيوط    طواف الوداع.. ختام الرحلة ودموع الفراق    ضبط 8 ملايين جنيه من تجار العملة في 24 ساعة    حريق محدود في مخزن مواد غذائية بقسم أول سوهاج دون إصابات    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 2200 قضية «سرقة كهرباء وظواهر سلبية» خلال 24 ساعة    بعد عدة تأجيلات.. موعد عرض فيلم «روكي الغلابة» في السينما    بعد حفل زفافها باليونان.. أمينة خليل تتصدر التريند    في أولي حفلاته بعد الحج.. أحمد سعد يوجه رسالة لجمهوره| صور    10 يوليو.. بتر شو Better Show يعود بعرض "السنجة" على مسرح نهاد صليحة    اعلام إسرائيلي: ناشطو السفينة مادلين قيد الاعتقال في سجن الرملة    التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 561 بلاغا خلال شهر مايو    رئيس صندوق المأذونين الشرعيين يفجر مفاجأة حول زواج المصابين بمتلازمة داون    حِجر إسماعيل..نصف دائرة في الحرم تسكنها بركة النبوة وذاكرة السماء    الصحة: استحداث خدمات نوعية بمستشفيات التأمين الصحي آخر 10 سنوات    انتشار سريع وتحذيرات دولية.. ماذا تعرف عن متحور "نيمبوس"؟|فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق؟.. أمين الفتوى يوضح    أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    فنان العرب محمد عبده والمايسترو هاني فرحات يحطمان الأرقام القياسية في حفلات عيد الأضحي 2025    حبس وغرامة، عقوبة استخدام حساب خاص بهدف ارتكاب جريمة فى القانون    تحذير عاجل من عبوات "باراسيتامول" بالأسواق، وهيئة الأدوية البريطانية: فيها تلوث قاتل    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4675 جنيها    القبض على صاحب مطعم شهير بالمنيا بعد تسمم أكثر من 40 شخصًا    وفد من أمانة حزب مستقبل وطن بالدقهلية يقدم العزاء لأسرة البطل خالد شوقي عبدالعال    خاص| الدبيكي: نعمل على صياغة اتفاقية دولية لحماية العاملين من المخاطر البيولوجية    الخارجية الإيرانية: الجولة المقبلة من المحادثات مع واشنطن تُعقد الأحد في سلطنة عُمان    يوميات أسبوع نكسة 1967 في حياة طبيب شاب    صحة سوهاج: 560 جلسة علاج طبيعي لمرضى الغسيل الكلوي خلال أيام عيد الأضحى    رافاييل فيكي يدخل دائرة ترشيحات الزمالك لتولي القيادة الفنية    ما حكم الشرع في بيع لحوم الأضاحي.. دار الإفتاء توضح    "خسارة للأهلي".. نتائج مباريات الإثنين    أجواء مشحونة بالشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 10 يونيو    خط دفاع تحميك من سرطان القولون.. 5 أطعمة غنية بالألياف أبرزها التفاح    استقبال 13108 حالة طوارئ بالمستشفيات خلال عيد الأضحى بالمنوفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون الأزهر يعيد «محاكم التفتيش الدينية»
نشر في الوطن يوم 25 - 09 - 2014

نشرت وسائل الإعلام مؤخراً موافقة مجلس الوزراء فى 17 سبتمبر 2014، على مشروع بتعديل قانون الأزهر تحت عنوان «عزل من يُحرّض على العنف». ولأن أكثر الناس يكتفى بعناوين الأخبار فقد تلقوا هذا الخبر بالارتياح والقبول لإشفاقهم على أزهرهم الشريف الذى طالما كان رمزاً للوطنية والوسطية حتى صدَمنا فى بعض أبنائه من الأساتذة والطلاب والطالبات والعاملين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين ومعاونيهم من السلفيين، الذين كانوا نياماً لا يعرفهم زملاؤهم ولا يأبه بشرهم أحد حتى قاموا فجأة هائجين صارخين بتأييد من سرق حكم مصر سنة 2012، بمعاونة أمريكية تركية قطرية. وعندما استرد المصريون حكمهم لأنفسهم فى الثلاثين من يونيو 2013، وأحرجوا الخونة فى الداخل والخارج بإحباط مخططهم فى تفتيت مصر وإشعال الحرب الأهلية فيها عمد أذنابهم فى الأزهر الذين لم يكونوا شيئاً من قبل لأن يصيروا ذئاباً مفترسة يحرقون المكاتب والمدرجات، ويدمرون الأدوات والممتلكات، ويعطلون الدراسة والامتحانات، ويقطعون السير والطرقات، ويتلفظون بأقبح الألفاظ والعبارات، ظانين بالمصريين ظن السوء، حتى أدار الله عليهم ظنهم السوء، وانطلقت قافلة التعليم بناجحيها إلى الأمام، وبقى الأذناب بحسرتهم متخلفين مع الماضى البائد، وبمكرهم معاودين لتعطيل مسيرة المتقدمين، لذلك فرح المصريون بتعديل قانون الأزهر الذى ينفى عنه خبث المعطلين والمخربين.
ولكن الذى لم يخطر على بال المصريين الأبرياء هو استمرار اختراق الإخوان والسلفيين لجهات عليا مسئولة عن وضع مشروع تعديل قانون الأزهر، والذين تمكنوا بالفعل من دس ثلاث كلمات فى التعديل الجديد تضع الدولة فى حرج مع الله، وحرج مع الدستور، وحرج مع العالم الخارجى، وشماتة مع شياطين الإخوان والسلفيين عندما أقحم فى أسباب عقوبة العزل من الوظيفة «فعل ما يتعارض مع حقائق الإسلام الثابتة، أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو يمس نزاهته». والعجيب أن هذه الكلمات الثلاث لم توضع فى صدارة التعديل لشرف اسم الإسلام فى التقديم بالذكر، وإنما وُضعت فى السطر الأخير للمادة التى بلغت ثمانية أسطر حتى لا يقف عندها كثير من المحققين، ويمر القانون ليؤزم الدولة فى بعض رعاياها. فقد نص التعديل على ما يلى: «يُعاقب بالعزل من الوظيفة المنصوص عليه فى البندين 4 أو 5 من هذه المادة، كل عضو من أعضاء هيئة التدريس يرتكب أياً من المخالفات الآتية: الاشتراك فى مظاهرات تؤدى إلى عرقلة العملية التعليمية أو تعطيل الدراسة أو منع أداء الامتحانات أو التأثير عليها أو التحريض أو المساعدة على ذلك، وإدخال أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو أى أدوات من شأنها أن تستعمل فى إثارة الشغب والتخريب، والإضرار العمدى بالمنشآت الجامعية أو المبانى التابعة لها، أو ممتلكات الجامعة، والتعامل فى الدروس الخصوصية بمقابل أو بغير مقابل، بالإضافة إلى كل فعل يخل بشرف عضو هيئة التدريس، أو لا يتلاءم مع صفته كعالم مسلم، أو يتعارض مع حقائق الإسلام الثابتة، أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو يمس نزاهته». ومن هذا النص يتبين أوجه الإحراج للدولة وشماتة الإخوان فى السطر الأخير من المادة، كما نذكره فيما يلى.
أولاً: إحراج الدولة مع الله وأمره بالعدل. ذلك أن الله تعالى أنزل قرآناً نهتدى به وهو محصور بين الدفتين، وأرسل رسولاً نقتدى به وأحاديثه تكاد تكون محصورة. ولم ينزل من السماء نصاً محكماً بما ورد فى التعديل: «حقائق الإسلام الثابتة، أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو يمس نزاهته». فهذه عبارات فقهية بشرية وليست عبارات قرآنية أو نبوية، فكيف نُلزم الناس بما لم يُلزمهم به الله، بالإضافة إلى أن تلك الكلمات الثلاث مرسلة وغير ثابتة المفردات وغير محددة المعنى، فلا يتحقق بالاحتكام إليها العدل الذى أمر الله به؛ لأنها متفاوتة حسب تدرُّج الفقه والعلم إلا إذا اعتبرنا معيار تفسيرها عند شخص معين أو مجلس معين، وفى هذه الحال وجب على هذا الشخص أو ذلك المجلس أن يعلن مسبقاً قائمة بحصر بما يراه «حقائق الإسلام الثابتة والمعلوم من الدين بالضرورة» حتى لا يتجرّأ عليها المخالفون، وإن فعلنا ذلك أغلقنا باب الاجتهاد وألزمنا الناس بدين هذا الشخص أو ذلك المجلس ولم نجعل الدين لله، كما أمر الله. ونزيد الأمر توضيحاً فيما يلى:
(1) أما عبارة «حقائق الإسلام الثابتة»، فلا تصح إلا عند المتحدّث بها ومن تبعه فى الفهم؛ لأن المقصود بوصف «الثابتة»، أى عند المتكلم الذى جمعها بقناعته واجتهاده، حتى لو استقوى بموافقة جمهور الفقهاء، فهم ليسوا البديل عن الله تعالى، وهل يجوز أن نعتبر قضية «عذاب القبر ونعيمه» من «حقائق الإسلام الثابتة» كما هو مذهب أكثر أهل السنة، أم لا كما هو مذهب أكثر المعتزلة.
وهل يجوز أن نعتبر «الولاية على المرأة الرشيد فى الزواج» من «حقائق الإسلام الثابتة»، كما هو مذهب جمهور الفقهاء، أم أن المرأة الرشيد لها أن تلى زواجها بنفسها كما هو مذهب أبى حنيفة.
وهل يجوز أن نعتبر «فوائد البنوك من الربا المحرّم» من «حقائق الإسلام الثابتة»، كما هو مذهب شيخ الأزهر الأسبق جادالحق على جادالحق، ومن وافقه، أم من الأرباح الحلال كما هو مذهب شيخ الأزهر الذى خلفه الدكتور محمد سيد طنطاوى ومن وافقه.
وهل يجوز أن نعتبر «الإسلام دين ودولة» من «حقائق الإسلام الثابتة» كما هو مذهب «الإخوان» ومن وافقهم، أم نعتبر «الإسلام دين» وفقط، كما هو ظاهر نص القرآن، ومذهب الشيخ على عبدالرزاق وزير الأوقاف الأسبق، ومن وافقه.
وإذا قيل إن «حقائق الإسلام الثابتة» هى أركان الإسلام الخمسة: «الشهادة والصلاة والصيام والزكاة والحج». وأركان الإيمان الستة: «إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره»، فهل هذا وقع من أستاذ أزهرى على مدار تاريخ الأزهر حتى ننص عليه فى التعديل؟
(2) وأما عبارة «معلوم من الدين بالضرورة»، فلا تصح إلا مجتمعياً بحكم الإشهار أو الإعلام للشىء الواجب التطبيق. والمشهور لا يجوز أن يكون ديناً حتى لا نغلق باب الاجتهاد، وإنما كان المجتمع قديماً يعبر بالمعلوم من الدين بالضرورة عن الواجب عمله للمؤاخذة القضائية حتى عرف المصرى المعاصر مصطلح القانون، فاستغنى عن مصطلح «المعلوم من الدين بالضرورة» وصار الالتزام بالقانون الرسمى وليس بالمعلوم بالضرورة؛ خاصة أن الفقهاء يعلمون أن فقه الدين متجدد، وأن ما اشتُهر منه فى زمن قد يشتهر ما يخالفه فى زمن أو مكان آخر.
فأهل مصر قد أشهروا فى عصرهم الحديث الذى بدأ بدستور 1923، حكم «المواطنة» الذى يقضى بمساواة شهادة المصريين وتوليتهم المناصب العامة والقضاء بضوابط موضوعية دون التفرقة بالجنس أو بالدين، وذلك بعد أن كانوا فى ظل الدولة العثمانية لا يعترفون بهذا الحق، بل ينكرونه ويعدونه مخالفاً للمعلوم من الدين بالضرورة. ولا تزال شعوب أخرى من المسلمين تعيش حتى الآن فى ماضى المصريين الذى تجاوزوه.
(3) وأما عبارة «يمس نزاهة الإسلام» فتخضع أيضاً لرؤية المتكلم الذى قد يكون متشدداً، فيرى فساد رأى من يقول بجواز التعليم المختلط فى الجنس، مع التفرقة فى المقاعد، ويعد ذلك ماساً بنزاهة الإسلام الذى يدعو إلى العفة. وكذلك بطلان القول بصحة الحج بالمال الحرام مع الإثم، أو صحة الصلاة فى الأرض المغصوبة مع الإثم، ويعد ذلك طعناً فى نزاهة الإسلام الذى لا يقبل إلا طيباً.
ثانياً: إحراج الدولة مع الدستور الصادر 2014، فى أكثر من وجه، ونكتفى بذكر ثلاثة أوجه:
(1) طعن مبدأ المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة المقرر فى المادة (53)، إذ كيف يُؤاخذ منسوبو الأزهر بالعزل عند فعل ما يتعارض مع «حقائق الإسلام الثابتة أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو يمس نزاهته»، ولا يُؤاخذ منسوبو سائر الجامعات المصرية بذلك، ثم إن نص تعديل قانون الأزهر بالعزل من الوظيفة عند فعل ما يتعارض مع «حقائق الإسلام الثابتة أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو يمس نزاهته» قد ورد أساساً لكل عضو من أعضاء هيئة التدريس، وختم التعديل فى هذه العقوبة بسريان أحكامها «على العاملين من غير أعضاء هيئة التدريس بالأزهر»، فهل يدخل فى هؤلاء شيخ الأزهر وأعضاء هيئة كبار العلماء وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، أم أن لهؤلاء حصانة وحظوة فوقية، خاصة أن الدستور قد نص على أن «شيخ الأزهر مستقل وغير قابل للعزل» مادة (7). أين المساواة فى الحقوق والحريات والواجبات العامة المكفولة بالدستور؟
(2) طعن مبدأ حرية الفكر والرأى والبحث العلمى المكفولة فى المادتين (65 - 66)، إذ كيف يحجر على منسوبى الأزهر خاصة، أن يجتهدوا أو أن يعبّروا عن رأيهم فيما سماه القانون «حقائق الإسلام الثابتة أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو يمس نزاهته» فهل يجوز الحكم بعزل عضو هيئة التدريس بالأزهر لمجرد إبداء رأيه أو اجتهاده بعدم إلحاق مسألة معينة بحقائق الإسلام، مثل قضية «الأسماء والصفات» التى يترتب عليها تأويل ما يدل على أن لله تعالى يداً أو عيناً أو عدم تأويل ذلك؟ أم يجوز عزل عضو هيئة التدريس بالأزهر لإبداء رأيه أو اجتهاده فى مسألة يريد إضافتها فى المعلوم من الدين بالضرورة، لم تكن فيه من قبل، مثل «تحريم التهرّب الضريبى»، و«وجوب إشهار عقد بيع السيارات والعقارات كشرط لانتقال الملكية»، أم يجوز عزل عضو هيئة التدريس بالأزهر إذا أبدى رأيه واجتهاده فى مسألة يريد حذفها، مما كان معلوماً من الدين بالضرورة فى عصور سابقة، مثل «المطالبة بإلغاء ما يُعرف بالخلافة أو بالجزية أو بالرق»، فى ظل مجتمع معاصر تصالح مع نفسه بتعددية أنظمة حكمه التى تحقق العدل والاستقرار، كالنظام الملكى أو الجمهورى أو الأميرى الذى يقر بالمواطنة والدولة المدنية وسيادة الإنسان التى تمنحه الحرية وتمنع عنه الرق والعبودية.
(3) طعن مبدأ سيادة القانون، كأساس للحكم، وأنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. (مادة: 94 - 95). فهذا يتعارض تماماً مع التعديل المقدم، الذى يجعل السيادة للدين فى نظر المحقق، وليس فى نظر صاحبه، كما يجعل العقوبة على فعل قديم وغير محصور تحت اسم «حقائق الإسلام الثابتة أو المعلوم من الدين بالضرورة»، مثل الكتب والبحوث المؤلفة التى تشتمل على آراء لا تعجب جهات التحقيق والتى لا يعرفها المؤلفون حتى يعلنوا توبتهم منها، وإذا عرفوها فتابوا عنها فقد تأتى جهات تحقيق أخرى تلزمهم بالعودة إلى آرائهم الأولى، مما يجعل التعديل صادماً لأصول التقنين وكرامة الباحثين.
ثالثاً: إحراج الدولة مع العالم الخارجى الذى تجاوز بحضارته أنظمة كانت تحكم شعبها بما سموه «المعروف من الدين بالضرورة»؛ لعدم توصلهم بعد إلى التقنين القانونى. وجاءت «داعش» اليوم لتعيد إنتاج هذا الماضى الذى يسوغ لهم ما سموه «الخلافة الإسلامية بالعراق»، و«استرقاق النساء والصبيان»، و«ذبح رؤوس الزنادقة من المسلمين»، و«فرض الجزية على غير المسلمين من المواطنين»، و«إعلان الجهاد على كل المخالفين»، وغير ذلك مما يعدونه معلوماً من الدين بالضرورة، والذى يسمح بإنشاء محاكم التفتيش الدينى التى قنّنتها تعديلات قانون الأزهر لأول مرة فى مصر بعد استقلالها من التبعية العثمانية، وذلك بالنص على عزل عضو هيئة التدريس أو أحد من العاملين الحكوميين بالأزهر إذا فعل ما «يتعارض مع حقائق الإسلام الثابتة، أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو يمس نزاهته». إن العزل بهذا النص لن يكون بتهمة الإخلال بواجبات الوظيفة أو المهنة أو تهمة ممارسة الإرهاب أو العنف، وإنما سيكون بتهمة دينية إن صحت، فحسابها سيكون يوم القيامة من صاحب الدين الحقيقى وهو الله سبحانه الذى لم يوكل أحداً فيه على غيره، كما قال تعالى: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ» (الإسراء: 13)، وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ» (الحج: 17). وهل سيكون هذا العزل من الوظيفة مكفّراً لذنب المساس بالإسلام ونزاهته يوم القيامة، أم أن هذا العزل قد ينقلب فى الآخرة على أصحابه الذين قاموا بتصفية حساباتهم الشخصية مع أصحاب نوايا حسنة مع الله، الذى سينصفهم من واضعى مشروع القانون ومنفذيه؟
رابعاً: شماتة شياطين الإخوان والسلفيين المختبئين فى مراكز إعداد القرار حتى الآن، وكأن هؤلاء الشياطين يقولون للدولة المصرية إذا كان سادتنا قد سقط حكمهم ودستورهم بثورة الشعب فى الثلاثين من يونيو 2013، فإننا الأذناب سنواجه الشعب بأصابعنا الخفية، وسنعيد إنتاج دستور 2012، الإخوانى الساقط الذى كان يحكم المصريين بما نراه ديناً، شيئاً فشيئاً. ألم تنص المادة الرابعة منه على أنه «يُؤخذ برأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية»؟ وألم تنص المادة (219) منه على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»؟ فإذا كان المصريون قد ثاروا ضد الإخوان وأسقطوا هذه المواد التى تجعل السيادة لدين الحكومة الخفى، ولا تجعل السيادة للقانون المعلن، فإننا نحن الموالين للإخوان والمختبئين فى مراكز اتخاذ القرار فى الأزهر، قد تسببنا فى إصدار تعديل قانونه ليحقق دستورنا الإخوانى فيه جزئياً، فحسبنا أنه سيعزل الموظف الحكومى الأزهرى باسم الإسلام الذى نراه، وليس الإسلام الذى يراه غيرنا.
إننى لا أكتفى بمطالبة فخامة الرئيس ودولة رئيس الوزراء بأن يرفعا الحرج عن مصر المحروسة بحذف ما لا يملكه الإنسان أصلاً فى حق أخيه الإنسان بشأن الإسلام، فى تعديل قانون الأزهر الأخير، الذى ينص على عزل أحد من منسوبى الأزهر إذا فعل ما يتعارض مع «حقائق الإسلام الثابتة أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو يمس نزاهته»، فهذه عبارات فقهية، وليست قرآنية أو نبوية، كما أنها عبارات غير ثابتة المفردات وغير محددة المعنى لا تصلح معياراً لإقامة العدل، فضلاً عن اختصاص الله بالحكم الدينى لتعلقه بالنوايا والقلوب التى لا يعلمها إلا خالقها، الذى منح الإنسان فرصة التوبة والمراجعة حتى الموت، وكيف يُعاقَب مسلم بالعزل من الوظيفة بسبب دينه وبمعيار جهة التحقيق التى قد تكون هى المخطئة فى دين الله وليس هذا البرىء؟ ألم يكن هذا المتهم فى دينه أولى بالنصح ومناقشة الحجة بالحجة بدلاً من عقوبة العزل التى هى حيلة المفلسين علمياً؟ ثم منذ متى سمعنا عن عضو هيئة تدريس أزهرى فعل ما يتعارض مع «حقائق الإسلام الثابتة أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة» إلا ما تمليه عليه قواعد البحث العلمى والاجتهاد الفقهى حتى نصنع لذلك قانوناً معجلاً؟
إننى أطالب الجهات السيادية بتتبع الأصابع الإخوانية والسلفية التى كانت وراء حشر عبارات المحاسبة الدينية لبعض أبناء الشعب المصرى من العاملين الحكوميين بالأزهر فى تعديل قانونه الأخير، والأخذ على تلك الأصابع بيد من حديد.
إن كل الأزهريين الشرفاء يرحبون بتنقية أزهرهم من الحزبيين والإرهابيين بالتعديل القانونى الذى يقضى بعزل كل المخالفين لأصول المهنة أو الخارجين عن ضوابطها اللائحية دون المساس باسم الإسلام حتى تكون المواجهة بين العاملين ومهنتهم، ولا تكون المواجهة بين العاملين والإسلام الذى يأبى أن يكون طرفاً فى نزاع؛ لاختصاصه بصفات الرحمة ورفع الحرج وعدم إغلاق باب التوبة أمام معانديه.
وكم نحسد المجلس الأعلى للجامعات المصرية لخلوه من أصابع الإخوان والسلفيين، فانتهى فى اجتماعه يوم الأحد 21 سبتمبر 2014، إلى مقترح رشيد يقضى بعزل الخارجين عن أصول المهنة والداعين إلى العنف، وترفّع عن الدخول فى ضمائر الناس وأديانهم.
وأخيراً وليس آخراً، إلى كبار محامى مصر الأجلاء الغيورين على إحقاق الحق والمرابطين للدفاع عن العدالة، لن يهزمكم صبية الإخوان والسلفيين الذين يعملون فى الخفاء ويدسون فى قانون الأزهر ثلاث عبارات تعيد إنتاج الحكم الإخوانى جزئياً، وأمامكم المحكمة الدستورية المصرية العظيمة التى ستحمى الدستور وتنصر الشعب فى مواجهة الخائنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.