كثير من الإخوان والمتعاطفين معهم والذين يوالونهم يقرأون فى قرار قطر التى هى فى خطر «تهجير»، ولن أقول طرد، عدد من الإخوان الذين لجأوا إليها بعد ثورة 30 يونيو. البديهى أن السبب فى التهجير وطلب المغادرة هو حل أزمة قطر مع دول مجلس التعاون الخليجى.. تلك الأزمة التى خلقتها مصر ليس بسبب دعم أغلب دول المجلس لثورة 30 يونيو على عكس ما تشتهى الدويلة التى سعت لدور واسع ومتغول فى المنطقة لا يعكس حجمها إطلاقاً منذ أواخر القرن الماضى وتحديداً منذ انقلاب الشيخ حمد على أبيه خليفة فى 1996. لكن الأزمة التى عاشتها قطر مع دول مجلس التعاون الخليجى خلقتها مصر أيضاً حينما زودت السعودية والإمارات بمعلومات استخباراتية عن تعاون قطر عسكرياً مع عدو استراتيجى مذهبى عقائدى هو إيران. هذه إذن طعنة نجلاء فى الظهر للإمارات التى تعانى من احتلال الجزر الثلاث فى الخليج العربى وليس الفارسى كما يحلو للغرب تسميته. وهى طعنة للسعودية التى ستعانى الآن من ثغرة قطرية إذا قررت إيران يوماً الهجوم على المملكة من الجو لأن المجال الجوى القطرى أصبح مفتوحاً. كما أن الدويلة الناتئة على الخريطة كالخرّاج فى جسد الأمة العربية تؤوى معارضين بحرينيين شيعة، وهو ما لا ترضى عنه المنامة ويثير سخطها وحنقها الشديدين. لن أزيدكم شيئاً إن قلت إن تهجير الإخوان مسرحية تمارَس فى العلن، فى حين أن الدعم القطرى والتمويل سيستمران للجماعة وأنصابها وأزلامها والمتأخونين الذين تؤويهم الدوحة. ولن أزيدكم إن قلت إن «خطر» التى اشتهرت بقطر ترفض إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر وتقايض عليها بانسحاب الإمارات من تمويل بعض القنوات المصرية. والراجح سياسياً أن قطر التى لجأت إلى الدور الذى تلعبه فى أعقاب «حربها» مع المملكة العربية السعودية بنتيجة واحدة هى أنها دولة لا حدود لها إلا مع السعودية سعت إلى الغرب سعياً حثيثاً خاصة الولاياتالمتحدة لكى تبقى دويلة أو إمارة ولا تزول. لكن حماية الذات لم تعد هدفاً فى حد ذاته، وانطلقت قطر «الغشيمة» فى محاولات للعب دور أكبر بكثير مما يمكن لها أن تفعل. ولتلك الغاية أنشأت القاعدتين الشهيرتين وهما العديد والسيلية، وقد دخلتهما لعمل تحقيق تليفزيونى عنهما. وتشير الدوريات العسكرية إلى أن المدارج والمهابط فى العديد تحديداً أطول وأكثر مما تحتاجه أى قاعدة جوية. بل إن الإنكار القطرى لاستخدام أمريكا للقاعدتين العسكريتين فى أى عمل مسلح ضد دولة مسلمة تحطم حينما صرح لى القائد الأمريكى حينئذ بأن قاعدة العديد تطير منها طائرات تمون المقاتلات الأمريكية العاملة فى أفغانستان بالوقود فى الجو. الثمن الآخر الذى دفعته «قطر/خطر» فى سبيل البقاء هو التطبيع المجانى مع إسرائيل. فى مقابل هذا التطبيع الذى يمكن أن تبذل له إسرائيل النفيس والغالى لم تحصل قطر أو العرب على مكسب بانسحاب من أراضٍ محتلة أو إطلاق لسراح أسرى أو غير ذلك. أعود إلى تهجير أو نقل الإخوان السبعة، فأقول إن الأمر لن يترتب عليه أى تغير فى الدعم القطرى للجماعة وأنصابها وأزلامها والموالين والمتعاطفين والمتأخونين. فهذا ما حدث عندما تخلت قطر ظاهرياً عن حماس ورئيس مكتبها السياسى خالد مشعل وعملت على ترتيب إقامته فى سوريا التى كانت حينئذ تقود معسكر ما سمى «الممانعة». إن الإجراءات التى تتخذها قطر شكلية تماماً ولا تعنى تغيراً من أى نوع فى الاستراتيجية التى انتهجتها بالدوران فى فلك الغرب الذى لا يزال يرى فى الإخوان ورقة يلعب بها فى المنطقة بعد انهيار المخططات الكبرى أو على الأقل توقفها إلى حين.