سارت موجة خلال الفترة الماضية تدعم فكرة أن الإعلام هو من أتى بالمشير عبدالفتاح السيسى رئيساً لمصر، أى أن الرجل «صناعة إعلامية»، والغريب أن من ينشر ذلك ليس الإخوان فقط، بل تورط فيه إعلاميون وسياسيون محسوبون على ثورة 30 يونيو، ثم تلت هذا الكلام موجة أخرى بأن الرجل يرفض الإعلام المخالف، ويسعى لأن تكون كل القنوات فى صفه فقط لا غير.. ونسى هؤلاء وهؤلاء أن «السيسى» ظاهرة شعبية فرضتها ثورة 30 يونيو بعد أن استرد الشعب وعيه ورفض أن يتاجر أحد باسمه.. كما تناسوا أن النخبة، ومنها زعماء الإعلام قد سقطوا فى اختبار الرئاسة عام 2012، فقد كانت النخبة تلتف حول الثلاثى عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحى، بينما دخل الإعادة د. محمد مرسى «الأقل من حيث تأييد النخبة والإعلام فى الجولة الأولى»، والفريق أحمد شفيق «المنعدم المساندة العلانية من النخبة والإعلام فى الجولتين». ما حدث أن كثيراً من النخبة والإعلاميين ركبوا على شعبية «السيسى» التى صنعتها مواقفه وأبرزها فى 30 يونيو، بالإضافة إلى احتياجات الشعب إلى الأمن وثقته فى الجيش العظيم، وإذا عاد الناس إلى الأرشيف سيجدون كثيراً من «النحانيح» الذين يرددون الآن تأييدهم ل«السيسى» كانوا يسيرون بعد يونيو وراء بعض «العيال الصغار»، ويرددون بأن وصول «السيسى» للرئاسة يعنى أن مصر ستكون حكماً عسكرياً، بل بعضهم اخترع بدعة أن الأفضل لمصر استمراره وزيراً للدفاع، واخترعوا مقولة «البطل الشعبى» . خلاصة الكلام أن النخبة، وفى القلب منها الإعلام، رضخوا للرغبة الشعبية الجارفة لتأييد السيسى كعادتهم فى السنوات الأخيرة يسيرون خلف الشعب وليس أمامه.. كما أن الإعلام لا يستطيع خلق واقع أو تغييره بسهولة كما يعتقد الإخوان وعملاؤهم، فالإعلام يدعم الاتجاهات ولا يغيّرها وليتذكر الجميع أن الإعلام، باستثناء القليلين، لم يكن يقترب من الرئيس الأسبق مبارك حتى ثورة 25 يناير، وكانت كل الانتقادات موجّهة إلى الحكومة والوزراء فقط لا غير، ثم قامت الثورة وألقى «مبارك» خطابه العاطفى وانحاز إليه كل الإعلاميين مرة أخرى، لكن الشارع كان له رأى آخر فرضه على الأحداث، وبعدها انحاز الإعلاميون إلى الشعب ضد «مبارك» وأمطروه فضائح وانتقادات، لكن الإعلام تعلم من أخطائه وكان شريكاً حقيقياً فى ثورة يونيو وأحد أهم عناصرها رغم انحياز فريق منهم إلى الجماعة، لكن لم يكن صانعها، بل متضامناً مع الشعب المصرى الذى كان أوعى فى هذه المرحلة من نخبته وإعلامه. أما موجة أن «السيسى» يكره النقد وسيتخذ إجراءات رادعة ضده، فليس هناك دليل حتى الآن، والأصدق أن الرجل تنبه لخطورة الانفلات الإعلامى فى دولة تواجه حرباً بمعنى الكلمة ومؤامرات فى الداخل والخارج، ولذا حرص على تنفيذ وعده بالاجتماع معهم مرات عديدة منذ وصوله إلى الحكم ليعرفوا ماذا يدور فى الكواليس، وتحمل فى هذه الجلسات تجاوزات لم يتحمّلها الزملاء لبعضهم البعض.. ولم يلاحق الإعلاميين وأصحاب القنوات عبر القضايا أو الضرائب، كما كان يفعل الإخوان، ولم يتخذ أى إجراءات فى ملف الإعلام حتى الآن، بل إنه حريص فى كل مرة يلتقى بها أصحاب المهنة، سواء فى الصحافة أو الإعلام، أن يطالبهم بأن يتوافقوا لتحديد مستقبل مهنتهم، ويراهن دائماً فى كل أحاديثه على ضميرهم الوطنى.. والغريب أن من ينتقدون «السيسى» فى هذا الآن يعلمون جيداً أخطاء الإعلام وخطاياه فى لحظة مرتبكة وخطيرة. ■ حتى الآن لم يقدم «السيسى» رؤيته لأوضاع الصحف القومية وتليفزيون الدولة، ولم يقدم الإعلاميون والصحفيون رؤيتهم لتنظيم المهنة سواء الإعلام العام أو الخاص.. ولكن الجدل دائماً حول قضايا شكلية.. بينما ثقة المواطن فى الإعلام تتراجع.. والأداء المهنى فى انهيار ومصر فى كل الأحوال تدفع الثمن!!