جامعة الإسكندرية تتألق في 18 تخصصًا فرعيًا بتصنيف QS العالمي 2024    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2024    القاصد يشهد اللقاء التعريفي لبرامج هيئة فولبرايت مصر للباحثين بجامعة المنوفية    وزير الأوقاف: إن كانت الناس لا تراك فيكفيك أن الله يراك    التصديري للصناعات الغذائية: السعودية أكبر الدول المستوردة لمنتجات القطاع بقيمة 91 مليون دولار خلال يناير وفبراير    على مدار 4 أيام.. فصل التيار الكهربائي عن 34 منطقة ببني سويف الأسبوع المقبل    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    فصل التيار الكهربائي "الأسبوع المقبل" عن بعض المناطق بمدينة بني سويف 4 أيام للصيانة    بعد ال 700 جنيه زيادة.. كم تكلفة تجديد رخصة السيارة الملاكي 3 سنوات؟    «تعليم الأقصر» يحصد المركز الخامس ببطولة الجمهورية للسباحة    توقف العمليات في مطار دبي الدولي مؤقتاً بسبب عاصفة شديدة    الإعلام الحكومي بغزة: الاحتلال يجبر العائلات في بيت حانون على النزوح تحت تهديد السلاح    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    الأهلي يتوج ببرونزية السوبر الإفريقي لسيدات كرة اليد    رئيس ريال مدريد يرد على ماكرون بشأن مبابي    «الأهلي مش بتاعك».. مدحت شلبي يوجه رسالة نارية ل كولر    غدا.. انطلاق بطولة الجمهورية للاسكواش في نادي مدينتي    السجن 10 أعوام لمتهمة بالشروع في قتل ابن زوجها في الإسكندرية    حالة الطقس غدًا.. أجواء حارة ورياح مثيرة للرمال والأتربة تعيق الرؤية    الملابس الداخلية ممنوعة.. شواطئ الغردقة تقر غرامة فورية 100 جنيه للمخالفين    إيرادات الأفلام..«شقو» يواصل صدارة شباك التذاكر.. والحريفة في المركز الأخير    مصطفى كامل يوضح أسباب إقرار الرسوم النسبية الجديدة على الفرق والمطربين    الأوبرا تحيي ذكرى الأبنودي وصلاح جاهين بالإسكندرية    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    ترقية 24 عضوًا بهيئة التدريس وتعيين 7 مُعلمين بجامعة طنطا    فى ذكرى ميلاده.. تعرف على 6 أعمال غنى فيها عمار الشريعي بصوته    هيئة الاعتماد والرقابه الصحية: نفذنا 2400 زيارة رقابية خلال عامين    هل يحصل على البراءة؟.. فيديو يفجر مفاجأة عن مصير قات ل حبيبة الشماع    "بعد السوبر هاتريك".. بالمر: أشكر تشيلسي على منحي فرصة التألق    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    الطب البيطرى بالجيزة يشن حملات تفتيشية على أسواق الأسماك    مؤتمر كين: ندرك مدى خطورة أرسنال.. وتعلمنا دروس لقاء الذهاب    ضبط خاطف الهواتف المحمولة من المواطنين بعابدين    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    يعود بعد غياب.. تفاصيل حفل ماهر زين في مصر    وزارة الأوقاف تنشر بيانا بتحسين أحوال الأئمة المعينين منذ عام 2014    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    ضبط 7 آلاف قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة شروط تعاقد خلال 24 ساعة    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    اقتراح برغبة حول تصدير العقارات المصرية لجذب الاستثمارات وتوفير النقد الأجنبي    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    موعد مباراة سيدات يد الأهلى أمام بطل الكونغو لحسم برونزية السوبر الأفريقى    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    برلماني يطالب بمراجعة اشتراطات مشاركة القطاع الخاص في منظومة التأمين الصحي    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بالتزامن مع تغيير الفصول.. طرق الحفاظ على صحة العيون    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    الصين تؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    ننشر قواعد التقديم للطلاب الجدد في المدارس المصرية اليابانية 2025    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالمستندات.. المخطوطات القبطية بين السطو والإهمال
نشر في الوطن يوم 20 - 06 - 2021

كانت المخطوطات القبطية وما زالت عرضة للسرقة والنهب منذ القرون الوسطى وحتى يوم الناس هذا، بسبب الإهمال المتعمّد، حتى ما بقى منها داخل الكنائس والأديرة أو المتاحف فى مصر، كان عرضة للتلف، حتى إن مياه المجارى أغرقته. هذا ما اكتشفناه فى رحلتنا لتلمس خُطى التراث القبطى المنهوب، وتاريخ المصريين المهمل، وكنزهم المسكوت عنه. فالمتربصون بالتراث القبطى من علماء الغرب ما زالوا موجودين، يخفون سرقاتهم بقناع العلم، ويسلبون كنوزنا ونحن فى سُبات عنها، ليتاجروا فى إرث الإنسانية الذى خطته أنامل أقباط مصر، هذا ما تكشف عنه الأوراق التى حصلنا عليها، والوقائع التى سجّلناها عن جهات أمريكية سطت على 10% من حجم مخطوطات المتحف القبطى ونحو 20% من مخطوطات الكنيسة المصرية، وأتاحتها على شبكة الإنترنت، دون موافقة أو معرفة الجهات المعنية. كما أن الكنيسة المصرية بدلاً من أن تحمل مشاعل التنوير للتنقيب عن كنوز التراث القبطى «المطموسة» القابعة فى خزائن الأديرة وصوامع الرهبان فى الصحراء، استمر نفر داخلها فى معاداة الكتب والكتّاب بحُجة «حماية الإيمان الأرثوذكسى»، لتتعرّض المخطوطات التى بحوزة الدار البطريركية للإهمال.
تتلألأ الكتب العتيقة والمخطوطات على أرفف مكتبة الدير الأثرى فى وادى النطرون، ونحن ننظر إليها وكأنها مجوهرات المعرفة أسفل مصابيح العلم، حيث واصل الراهب القبطى صاحب الاسم المستعار «الأب كيرلس»، الحكى: «رغم السرقات الثقافية الكبرى للتراث القبطى التى حدثت فى القرون الوسطى، إلا أن ما تبقى فى أيدينا حتى اليوم تعرّض تارة للإهمال وتارة أخرى للنهب بطرق غير مباشرة، فأكبر مجموعتين من المخطوطات القبطية فى مصر الآن، تلك التى تقبع فى المتحف القبطى بالقاهرة، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية».
الدكتور إبراهيم ساويرس: المتحف القبطي يضم مجموعة ضخمة جداً من الكتابات باللغتين القبطية والعربية لم تلمسها يد
وحسب الدكتور إبراهيم ساويرس، أستاذ اللغة القبطية بكلية الآثار جامعة سوهاج، والحاصل على الدكتوراه فى الدراسات القبطية من جامعة ليدن بهولندا، فإن مجموعة المتحف القبطى تضم المخطوطات التى جمعها مرقص سميكة باشا (1864 - 1944م)، وهو مؤسس المتحف الذى افتُتح عام 1910م، وصار «سميكة» أول أمين له حتى وفاته، وظل المتحف ملكاً لبطريركية الأقباط الأرثوذكس حتى 1931م حين ضُم إلى أملاك الدولة، مشيراً إلى أن مخطوطات المتحف لا تتوقف عن النمو بحكم القانون، وهو يضم مجموعة ضخمة جداً من الكتابات باللغتين القبطية والعربية لم تلمسها يد.
أما عن مجموعة الكاتدرائية، فيقول «ساويرس»: «هى أغرب مجموعة من المخطوطات القبطية على وجه الأرض، فلقد تم جمعها من الكنائس المختلفة، والغلبة فيها للغة العربية»، مشيراً إلى أن ما هو موجود من المخطوطات خارج مصر أضعاف ما هو موجود داخلها، قائلاً: «اللصوص صعّبوا التاريخ ورجال الكهنوت ساعدوهم، وقلة عدد الباحثين المدرّبين على تحرير المخطوطات الأدبية أسهمت فى ما تم الوصول إليه، إلى جانب نُدرة الاهتمام باللغة القبطية فى مقابل اللغة اليونانية، وحالياً العربية، وما هو موجود بين أيدينا يحتاج إلى الفهارس».
استفاد الغرب فى العصر الحديث من المخطوطات القبطية وعمل على تسجيلها فى كتالوجات، مثل: «فابيو 1480 - 1553م، وجيوفانى مانجريلى 1722 - 1793م، وجورج زوجا 1810م، ومجموعة مورجان، وكتالوج مكتبة كامبريدج»، بل تواصلت حتى يومنا هذا الدراسة والقراءة فى «مخطوطات نجع حمادى»، التى أخذ العلماء فى الغرب يثيرون العالم المسيحى بالاكتشافات التى تتم فيها، والتى تتضمّن ما يُعرف ب«الأناجيل المحرّمة»، وما يُوصف بأنه «هرطقات» تعارض ما حدّد من كتب العهد الجديد منذ القرن الرابع الميلادى، حيث تشمل المخطوطات مكاتبات تظهر «زواج المسيح» أو «تعاليم المسيح السرية إلى أخيه يعقوب»، الموجودة فى أرشيف جامعة أكسفورد.
ورغم بكاء الكنيسة المصرية على أطلال مأساة سرقة المخطوطات القبطية، إلا أنه استمر نفر داخلها فى معاداة الكتب والكتّاب بحجة «حماية الإيمان الأرثوذكسى»، وإن كان ليست لهم القدرة على حرقها كما فعل السابقون الأولون، واستمروا فى مهاجمة كل جديد يخالف ما استقر عليه الأمر داخل الكنيسة، حتى إن كان المؤلف من البيت الكنسى، أمثال «الراهب القمص متى المسكين»، الذى طُوردت كتبه حتى وهو فى قبره، و«القس إبراهيم عبدالسيد»، الذى لم يجد مَن يُصلى عليه بعد وفاته بسبب منع الكنيسة الصلاة عليه بسبب آرائه، وبدلاً من أن تحمل الكنيسة مشاعل التنوير للتنقيب عن كنوز «التراث المطموسة» القابعة فى خزائن الأديرة وصوامع الرهبان فى الصحراء، خاصة مع ظهور الأصوات التى أخذت تصرخ من داخل جدرانها، منادية بضرورة مراجعة كُتب «التراث الكنسى»، كتلك التى أطلقها الأنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط بمحافظة المنيا، فى كتابه الذى حمل عنوان «المرأة فى المسيحية»، إلا أن القائمين على الأمر استمروا فى المعركة التى خصمت من رصيد الكنيسة لدى الأقباط، ووصل هذا الصراع إلى درجة «تحريم» كتب من يوصفون ب«الإصلاحيين» من دخول الكنيسة ومكتباتها، فيما صار الأمر «حلالاً» لكتب من وُصفوا ب«التقليديين» التى تموج بها المكتبات الكنسية وتتسابق دور النشر الكنسية عليها، بل فاق الأمر لتتعدّى معارك الكنيسة مع «الكتب الدينية» إلى «الكتب الأدبية»، مثل رواية «عزازيل» للدكتور «يوسف زيدان»، الذى حصل بها على جائزة «البوكر» العربية، كما حصلت على جائزة «أنوبى» البريطانية، لأفضل رواية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية، ورواية «شفرة دافنشى» ل«دان براون».
وخاض تلك المعركة كثر داخل الكنيسة، إلا القليل استمروا فى التنقيب داخل المخطوطات، ومنهم رهبان بدير السريان الذين اكتشفوا عبر المخطوطات التى بالدير عن اختلافات فى كتب سير القديسين، مما دفع الأنبا متاؤس، رئيس الدير، إلى تشكيل لجنة لتعديل «السنكسار»، وهو كتاب يُقرأ فى الصلوات داخل الكنائس، بناءً على المخطوطات.
وفى ظل تلك المعركة، أهملت المخطوطات القبطية، مما جعل أكبر المجموعات الموجودة منها فى مصر، وتقدّر بالملايين عرضة للضياع والسرقة حتى يومنا هذا، وهو ما اكتشفناه فى رحلتنا تلك.
فمنذ أن قام كل من «مرقس سميكة، مدير المتحف القبطى الراحل»، و«يسى عبدالمسيح، أمين مكتبة المتحف القبطى الراحل»، فى 1939م بإعداد كتالوج عن المخطوطات القبطية فى المتحف القبطى بالقاهرة، وفى 1942م، بإعداد كتالوج عن المخطوطات القبطية فى بطريركية الأقباط الأرثوذكس، التى بدأ جمعها منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادى، لم يمس تلك الأوراق والرقوق أحد طوال عقود من الزمن، وحسب الدكتور إبراهيم ساويرس، دعا الدكتور جودت جبرة، الأستاذ الزائر للدراسات القبطية بجامعة كليرمونت الراحل، والذى كان يشغل منصب مدير المتحف القبطى بالقاهرة، المتخصصين من أوروبا وأمريكا لبدء مشروع وضع كتالوج عام للمتحف، كما عمل على رقمنة مخطوطات المتحف القبطى، بتحويلها إلى ميكروفيلم (أحدث وسيلة رقمية فى زمانهم)، وذلك لإتاحتها لاحقاً للدارسين والباحثين، وعمل فريق أمريكى كبير من جامعة «بريجام يونج» على تصوير المخطوطات، وقاموا بتصوير عدد ضخم جداً من مخطوطات المتحف القبطى، ما بين عامى 1987 - 1992م، ثم توقف المشروع قبل نهايته، ونُسخت ميكروفيلمات جامعة «بريجام يونج» عدة نسخ لتسهيل العمل عليها فى عدة أماكن خارج الولايات المتحدة، من بينها نسخة محفوظة فى جامعة نيميخن بهولندا.
ويضيف «ساويرس»: «منذ 5 سنوات، قام فريق من الجامعة بتحويل الميكروفيلم إلى ملفات (بى دى إف) وإتاحته على موقع الأرشيف بالمجان لمن أراد دراسته. وكنت أظن ومعى الكثير من أهل التخصّص أن ما رُفع على موقع الأرشيف هو كل ما صورته الجامعة أو كل محتويات الميكروفيلم، لأن محاولة مراجعة المخطوطات فى ملفات ال(بى دى إف) على الفهارس المطولة التى أعدّها فريق الجامعة فى عدة أجزاء هو أمر يكلف الكثير من الوقت، حتى أتاح الدكتور كريستيان هيل من الجامعة ذاتها عدداً من المخطوطات لم تكن متاحة من قبل».
ويوضح «ساويرس»، أن ما أتاحته الجامعة الأمريكية مؤخراً على الإنترنت بالمجان هو 10% من حجم مخطوطات المتحف القبطى، ونحو 20% من حجم مخطوطات بطريركية الأقباط الأرثوذكس، وتمت إتاحتها دون موافقة أو معرفة من الجهات المعنية التى تفرض من أجل الاطلاع على تلك المخطوطات رسوماً رمزية، فضلاً عن دورة من «الروتين الحكومى» فى المتحف القبطى للاطلاع على أى مخطوطة، فضلاً عن خطاب رسمى من «البابا» للاطلاع على مخطوطات البطريركية، وهو أمر فى منتهى الصعوبة.
جهات أمريكية تتيح مخطوطات للكنيسة القبطية وبطريركية الكاثوليك والمتحف القبطي.. والكنيسة ومسئولون: نبحث الأمر
والمخطوطات التى تمت إتاحتها على الإنترنت تعود إلى كل من: «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وبطريركية الأقباط الكاثوليك إلى جانب المتحف القبطى».
وبالتواصل مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أكدت أنها فوجئت بالأمر، وأنها ستبحث عنه من أجل الحصول على رد شامل، وتم إرسال الاستفسارات إلى البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، فيما أكد الأنبا باخوم، المعاون البطريركى للأقباط الكاثوليك والمتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية فى مصر، أنه لا يعلم عن الأمر شيئاً.
أما كاميليا مكرم جرجس، مدير المتحف القبطى بالقاهرة وأمينة قسم المخطوطات، فقالت ل«الوطن»: «إن هذا المشروع كان عام 1995م، وكان قائماً على تصوير المخطوطات بنظام الميكروفيلم، ولكن ثبت أن تلك الطريقة ليست جيّدة، وتسبب تلف المخطوطات، فتم رفض استكمال المشروع الذى لم يتمكن القائمون عليه إلا من تصوير عدد محدود من المخطوطات القبطية التى بحوزة المتحف وتصل إلى 6000 مخطوط، وليس لدينا علم بمدى قانونية ما قامت به الجامعة الأمريكية من إتاحة المخطوطات والفهارس على الإنترنت، وما إذ كانت الاتفاقية التى وقّعتها مع وزارة الآثار وقتها تسمح لها بذلك»، مشيرة إلى أن المتحف بدأ فى 2007 - 2008م مشروعاً مع معهد «بولى جيتى» الأمريكى لرقمنة المخطوطات، ولكنه توقف بسبب أحداث ثورة 25 يناير 2011م، موضحة أن مشروع الرقمنة مهم للحفاظ على المخطوطات ولكنه مُكلف جداً، والمخطوطات التى بالمتحف فى حاجة ماسّة إلى الترميم، لذا يسعى المتحف حالياً للبحث عن مساعدة للقيام بهذا العمل الكبير.
وجامعة بريجام يونج، هى أكبر جامعة دينية فى الولايات المتحدة، مقرها الرئيسى فى مدينة بروفو بولاية يوتا، وتملكها كنيسة يسوع المسيح لقديسى الأيام الأخيرة (الكنيسة المرمونية)، وقمنا بمراسلتها على إيميل الجامعة لمعرفة لماذا أطلقوا تلك المخطوطات على الإنترنت، إلا أننا لم نتلقَّ رداً منها.
وكانت توجد علاقة عمل بين جامعة بريجام يونج ووزارة الآثار المصرية، إلا أن الوزارة قرّرت فى 2014م، وقف التعاون مع بعثة الجامعة التى كانت تعمل بقرية «فج الجاموس» الأثرية بمحافظة الفيوم لمدة 28 عاماً، فى بيان رسمى قيل إنه بسبب شائعة البعثة العثور على مليون مومياء فى الفيوم، وإطلاق تلك التصريحات لصحيفة «الديلى ميل» البريطانية.
وبالبحث عن رئيس فريق الجامعة الذى كان مكلفاً بعملية رقمنة المخطوطات القبطية الدكتور وليام ماكومبر، وجدنا أنه توفى فى 2008م عن عمر ناهز ال87 عاماً، وهو اسم معروف جيداً لعلماء المسيحية الشرقية بفضل كتالوجاته ومقالاته الكثيرة عن المخطوطات، حيث عمل كمفهرس للمخطوطات الشرقية، بدءاً من عام 1974م، وتبرّعت عائلته فى 7 نوفمبر 2011م بعدة صناديق من أوراقه وممتلكاته الأخرى إلى متحف ومكتبة المخطوطات «هيل» المعروفة اختصاراً (HMML)، وهى منظمة غير ربحية يرعاها ويحتضن مقرها دير القديس يوحنا وجامعة «فى كوليدجفيل»، بمينيسوتا فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ضمن المخطوطات التى سلمتها العائلة مخطوطات قبطية حصل عليها من مصر.
ويتولى منصب أمين قسم المخطوطات الإسلامية والمسيحية الشرقية فى (HMML)، الدكتور ديفيد كالابرو، وهو حاصل على درجة البكالوريوس فى دراسات الشرق الأدنى من جامعة بريجهام يونج.
وتوجد فى مكتبة «هيل»، حسب موقعها الرسمى، 7500 مخطوطة فى فرع «المسيحية الشرقية» حصلت عليها من مصر وبلدان أخرى، وهى مخطوطات يعود بعضها للقرن السادس الميلادى، كما تحتوى تلك المكتبة على مخطوطات إسلامية حصلت على بعضها من «اليمن والأراضى الفلسطينية المحتلة، خاصة القدس وغزة يعود أقدمها إلى القرن العاشر الميلادى».
والمكتبة التى تأسست عام 1964م، تشير إلى أن هدفها «الحفاظ على ماضى العالم المكتوب بخط اليد ومشاركته لإلهام فهم أعمق لحاضرنا ومستقبلنا»، وكانت السيدة جيهان السادات، أرملة الرئيس الراحل أنور السادات، شاركت خلال عام 1986م فى حملة جمع تبرعات للمكتبة بالولايات المتحدة.
وحاولت «الوطن» التواصل مع الدكتور ديفيد كالابرو وأرسلت إيميلاً رسمياً إليه تستفسر عن طبيعة المخطوطات الرقمية التى حصل عليها من أسرة الدكتور ماكومبر، وهل إتاحتها على الإنترنت تمت عن طريقهم أم عبر آخرين، إلا أننا لم نتلقَّ رداً منه.
مياه المجاري أغرقت المخطوطات بالكنيسة والبابا أمر بنقلها إلى دير مارمينا بالإسكندرية.. والأنبا آرميا: تم ترميمها ونقل بعضها إلى المركز الثقافي القبطي
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ اكتشفنا أن عدداً من المخطوطات التى بحوزة الدار البطريركية للأرثوذكس عانت من الإهمال وضاع عدد منها بسبب عملية التخزين غير العلمية لها، فالمخطوطات التى كانت موجودة فى الكنيسة المرقسية بالأزبكية منذ القرن التاسع عشر الميلادى، أغرقتها مياه الصرف الصحى فى 1986م، و1990م، قبل أن يقوم الأنبا آرميا، الأسقف العام وسكرتير البابا الراحل شنودة الثالث فى نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة، بنقل المخطوطات إلى دير مارمينا العجايبى بمنطقة مريوط فى الإسكندرية ليتم ترميمها، وأرشفتها بطريقة ديجيتال (بى دى إف)، وتم نقل بعض تلك المخطوطات إلى المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فيما بقى الجزء الآخر فى دير مارمينا.
وقال الأنبا آرميا ل«الوطن»: «لدينا حصر بتلك المخطوطات، وتم ترميمها، إلا أننا لم نضع ما تمت أرشفته على الإنترنت، ولكن هو متاح للباحثين والدارسين للاطلاع عليه والدراسة داخل مقر المركز الثقافى القبطى».
إلا أنه رغم محاولات حفظ هذا التراث، خاصة المخطوطات، إلا أن بعضها سُرق واستمرت عملية السرقة حتى يومنا هذا، وهو ما تكشف عنه بوضوح الضبطيات الجمركية بالمنافذ الجوية والبحرية والبرية لعمليات تهريب للمخطوطات عبر حاويات لشركات استيراد وتصدير، فضلاً عن ظهور «التجارة فى المخطوطات» على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث توجد عشرات الصفحات التى تروج لعمليات بيع وشراء فى مخطوطات نادرة تنتمى إلى جميع الحقب التاريخية.
ولوقف عملية سرقة التراث والمخطوطات، صدر القانون رقم 8 لسنة 2009م الخاص بحماية المخطوطات، والذى نص على أن تكون «الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية دون غيرها، الجهة المختصة بتطبيق أحكام القانون، إلا أن نص تشكيل لجنة الخبراء الفنيين للهيئة تضمن ممثلين عن «الأزهر والأوقاف» وتجاهل «الكنيسة»، ونص على حظر إخراج المخطوطات من مصر إلا للترميم أو العرض، وبناءً على إذن كتابى من الهيئة، وتضمن القانون عقوبات على المخالفين تشمل «غرامة لا تزيد على 200 ألف جنيه، والحبس مدة لا تقل عن سنة».
وتم تعديل هذا القانون عام 2018م، بسبب كثرة الشكاوى بشأن الأحراز والضبطيات الجمركية التى تحتوى على مخطوطات نادرة وإيداعها وزارة الآثار طبقاً لأحكام قانون حماية الآثار الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1983م والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010م، والتى تذهب المخطوطات على أثره إلى وزارة الآثار بطريقة غير منطقية، كما خلا قانون حماية المخطوطات من النصّ على توجيه المخطوطات المصادرة من الضبطيات الجمركية إلى دار الكتب والوثائق القومية، حيث إنها جهة اختصاص، بل يلزم فقط دار الكتب بصيانة وترميم مخطوطات الغير، وتحمّل تكاليفها وفقاً للمادة 6، وقد ترتب على ذلك وجود عدد كبير من المخطوطات لدى وزارة الآثار نتيجة ما يتم إيداعه من الضبطيات والأحراز، والتى تُضاف إليها يوماً بعد يوم من الضبطيات الجمركية على منافذ مصر الجوية والبحرية والبرية.
وتعديل القانون تضمّن إلزام جميع أجهزة الدولة التى تضبط مخطوطاً لأى سبب أو تعثر عليه بإخطار الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية خلال 30 يوماً من تاريخ الضبط أو العثور على المخطوط، باعتبارها الهيئة الوحيدة المعنية بالمخطوطات.
وطرح خلال مناقشة التعديل إضافة ممثل للكنيسة لعضوية الهيئة، وأعلن وقتها المستشار عمر مروان، وزير مجلس النواب، موافقة الحكومة على اقتراح بهذا الشأن، إلا أن مجلس النواب لم يمرر هذا المقترح.
ومن جانبها، قالت الدكتورة نيفين محمد موسى، رئيسة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، إنه لم يتقدم أى شخص للدار بتسجيل المخطوطات التى يحتفظون بها فى منازلهم طبقاً للقانون، مشيرة إلى أن الموانئ والمطارات ضبطت خلال الفترة الماضية كميات كبيرة من المخطوطات والكتب النادرة المهرّبة، وذلك حسب الإخطارات التى ترد إلى الدار لتشكيل لجان لفحص المضبوطات، والتى فى حالة التأكد من تاريخها وأصليتها يتم ضمها إلى دار الكتب، لافتة إلى أنه لا يوجد حصر دقيق لديها حول تلك المضبوطات.
وكشفت رئيسة هيئة الكتب، أن المخطوطات المضبوطة أو الموجودة فى الدار يتم وضعها فى المخازن بعد عملية تعقيمها، وهناك إجراءات من أجل إخراجها لإتاحتها للباحثين للاطلاع والدراسة، إذ يوجد لدى الدار نحو 60 ألف مخطوطة، موضحة أن الدار تعمل حالياً على مشروع لرقمنة المخطوطات بأنظمة الديجتال، لتسهيل عملية الدراسة والاطلاع، وتم استقدام أجهزة حديثة للدار لهذا الغرض.
«المخطوطات» تحوى تاريخاً يكشف وحدة المصريين ووطنيتهم
ولسنوات كانت التجارة فى المخطوطات المصرية بصالات المزادات العالمية أمراً مباحاً دون تحرك رسمى، حتى شكل رئيس دار الكتب السابق الدكتور هشام عزمى، وحدة خاصة لمتابعة صالات المزادات فى العواصم التى تعرض المخطوطات والوثائق المصرية، إلا أنها لم تستطع استرداد سوى ثلاث مخطوطات فى الفترة من أبريل 2018م إلى الآن، وهى: «مخطوط الكافيجى المختصر فى علم التاريخ، والجزءان الرابع والسادس عشر من ربعة قنصوة الغورى القرآنية، وأطلس سيديد لمحمود رائف أفندى»، واعتمدت آلية استعادة المخطوطات على المتابعة بصفة دورية لجميع المزادات حتى وقف البيع، والتفاوض المباشر مع صالات المزادات أو الأشخاص الحائزين على المخطوط، لإثبات أحقية مصر فى ملكية المخطوط من خلال المستندات الرسمية.
إلا أن الدكتور لؤى سعيد، مدير مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية، شكّك فى مدى فائدة عودة المخطوطات القبطية المبعثرة فى مكتبات العالم مرة أخرى إلى مصر، مشيراً إلى أن الغرب هو من كشف للعالم «علم القبطيات» وهناك تتم صيانة المخطوطات وتتم إتاحتها للجميع للاطلاع والدراسة، ولكن فى مصر ستدخل المخازن مرة أخرى، ولفت الدكتور إبراهيم ساويرس، إلى صعوبة عملية استرداد تلك المخطوطات التى تُشكل القوام الرئيسى لكبرى مكتبات العالم.
إلا أنه فى نهاية يناير 2021م، استطاعت وزارة السياحة والآثار، بالتعاون مع وزارة الخارجية، استرداد 5000 قطعة أثرية من الولايات المتحدة، كانت بحوزة متحف «الإنجيل المقدس» بالعاصمة الأمريكية واشنطن، والتى خرجت من مصر بطريقة غير شرعية، وهى تشتمل على مخطوطات وقطع من البردى، مكتوب عليها نصوص باللغة القبطية وبالخط الهيراطيقى والديموطيقى، واللغة اليونانية، كما توجد أيضاً مخطوطات لصلوات دينية مسيحية مدونة بالعربية والقبطية معاً أو العربية فقط، وتم إيداع القطع بالمتحف القبطى، وحسب الدكتور هشام الليثى، رئيس الإدارة المركزية لمركز تسجيل الآثار، فإن هذه القطع المستردة ليست من مقتنيات المتاحف أو المخازن الأثرية التابعة للمجلس الأعلى للآثار، وإنما نتيجة الحفر خلسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.