لكل ثورة ناجحة فريق يسعى دائماً لتبريدها، والتبريد الذى أقصده يتحرك على محاور يبدأ من التشويه ويمر بإطفاء فوانيس فرحتها وينتهى بسرقتها. وجميع الثورات الناجحة تعرضت للتبريد بكل أشكاله، وأكثر الثورات عرضة لذلك كانت ثورة 25 يناير، تلك الثورة اليتيمة غير المحظوظة التى لم يكن لها من يحميها، وربما وانطلاقاً من مبدأ اليتم نجد أن ثورة 25 يناير كانت أكثر الثورات المصرية على الإطلاق تأثراً وتعرضاً لمبردات هذا الفريق لأسباب كثيرة. وجماعة التبريد هذه أخذت أشكالاً كثيرة ربما نرصد منها على سبيل المثال «الثائر الجاهل»، هذا الصنف الذى أسهم فى أحداث الثورة لكنه اعتقد خطأً أن الثورات تبدأ وتنتهى فى الشوارع والميادين، متناسين أن للثورات مراحل تبدأ فى العقول ثم تنزل إلى الشوارع بعدها تنتقل إلى أروقة السياسة لتبدأ مراحل تحقيق الأهداف، وإصرار هؤلاء على البقاء فى الشوارع استفز شريحة كبيرة من الشعب فأصبحت الثورة بالنسبة لهم باردة. «الثائر العجول» الصنف الثانى من فريق التبريد الذى يتعجل الأهداف، ويرى أن الثورة ضغطة زر تتحقق بعدها الأهداف، يعتقد أن إسقاط النظام هو الهدف الأول والأخير، وخطورة هذا الصنف هو قابليته للكفر بالثورة والنكوص والتراجع عن دعمها، وغالباً ما يتحول هذا الفريق إلى ناقد خطير يتم استغلاله من قبل الفريق الكاره للثورة ليدللوا به على صدق معتقدهم تجاه الثورة. أما الفريق الثالث الذى أراه هو الأخطر على الإطلاق فإنه ذلك الذى تحركه أغراض ماكرة ودفينة وخبيثة، فريق المستفيدين من النظام الساقط، الذين يملكون المال والإعلام، الذين اتبعوا مبدأ التقية السياسية، فهم كارهون لثورة 25 يناير حتى لو تلونوا أو تحولوا فى بعض الأحيان. هذا الصنف هو المروج لنظرية المؤامرة، الذى ينفى عن 25 يناير ثوريتها وطهارتها، وينفى عن الشعب الذى أبدعها قدرته وإرادته. وخطورة هؤلاء أن لديهم إمكانات كبيرة فى المال والإعلام بل وفى السياسة أيضاً، وتفتح لهم العديد من المنافذ الإعلامية لينفثوا سمومهم، لا لتبريد الثورة بل لمحوها من ذاكرة شعب ضحى بدمه من أجل صناعتها. الحديث دائماً عن نظرية المؤامرة وعن أيادٍ خفية هى التى صنعت الثورة هو جريمة شعبية وجريمة دستورية، حيث نص الدستور الجديد صراحة فى ديباجته على أن ثورة 25 يناير و30 يونيو ثورة فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية، ومعروف أن الديباجة جزء من الدستور، بل هناك مواد أشارت بشكل صريح إلى ثورة 25 يناير و30 يونيو ولم تفصل بينهما. ومن هنا ندعو اللجنة العليا للإصلاح التشريعى التى شكلها الرئيس لأن يكون هناك قانون يعاقب كل من يسعى إلى تبريد الثورة أو تشويهها أو سرقتها أو إطفاء فوانيس فرحتها كل بقدر جرمه، وأن تكون هناك حُرمة لهذه الثورة بموجتيها 25/30 لأنها تكونت وتأسست ونجحت بوقود واحد هو دماء المصريين المعجونة بطين كرامتهم. وعلى الجانب الشعبى علينا أن نرفع شعار إغلاق الآذان أمام فريق تكسير المجاديف الوطنية والثورية للشعب المصرى. وعلى الشعب أن يزداد ثقة كل يوم لأنه قدم أجوبة قاطعة أمام التاريخ عن كل تشكيك محتمل فلو افترضنا أن ما يقوله فريق المؤامرة صحيح، بمعنى أن الإخوان أو أعوانهم هم الأيادى الخفية التى حركت ثورة 25 يناير، فأين كانت أيادى الإخوان الخفية حين سحق الشعب نظامهم ورئيسهم أسفل أقدامه؟ وعلى الجانب الآخر لنفترض أن بقايا نظام مبارك هم الذين ساعدوا فى إنجاح ثورة 30 يونيو وأنهم أصحاب قدرات خارقة، فأين كانت قدراتهم والشعب يسحق نظامهم أسفل أقدامه؟ على بقايا الأنظمة الساقطة والمخلوعة أن يعترفوا بقدرات هذه الشريحة الكبيرة من هذا الشعب الجبار التى لا تنتمى لهؤلاء ولا لهؤلاء، بل تنتمى لتراب هذا الوطن، هذه الشريحة التى أسقطت نظام مبارك ومعه أعوانه ومؤيدوه. وهى نفسها الشريحة التى أسقطت مرسى والإخوان ومعهم أعوانهم ومؤيدوهم.