تحاول عدة قوى سياسية فى مصر الهروب من واقعها السياسى المحدود بإقامة تحالفات وتكتلات سياسية، هدفها الرئيسى مواجهة المشروع الذى يعبر عنه الإخوان المسلمين، فى الأساس، وعدد من القوى والأحزاب الإسلامية الأخرى. ولا تخرج هذه التحالفات عن خطين أساسيين: اليسار بدرجاته، والعلمانيين. بعض هذه الأحزاب والتيارات المتحالفة حديث النشأة جداً، الأمر الذى يثير التساؤل: لماذا نشأت هذه أصلا إذا كانت مستعدة للعمل مع الآخرين خاصة من يحملون التوجه الفكرى نفسه؟ لماذا تنشأ أحزاب علمانية ثم تلجأ للتحالف مع أحزاب علمانية قائمة؟ ولماذا ينشق البعض عن حزب ويشكل لنفسه حزباً خاصاً به ثم يعود للتحالف مع الحزب الذى انشق عنه؟! الإجابة تشير إلى أن هذه الأحزاب والتيارات، أو بالأدق زعامات هذه الأحزاب والتيارات لا ترغب فى العمل تحت قيادة الآخرين، وإنما ترغب فى دخول التحالف بمنطق الرؤوس المتساوية، فكلنا زعماء وكلنا رؤساء أحزاب، وكلنا قادة!! وهنا يكمن فتيل التفجير الذى يمكن أن يدمر تلك التحالفات عند أول محك، إذا حاول طرف فرض إرادته على أطراف أخرى. وقد يلجأ البعض داخل تلك التحالفات للمعارضة من باب إثبات الوجود، وأنه لا سلطة لطرف على آخر. وفى أحسن الأحوال يصاب التحالف بالجمود والتكلس بسبب العجز عن اتخاذ القرارات. لقد نشأت هذه التحالفات تحت وقع سياط الزمن والرغبة فى مواجهة الإخوان فى الانتخابات المقبلة، فهل يكفى ذلك ليكون عاملا للنجاح؟ هل يكفى أن أقدم نفسى للشارع باعتبارى مجرد معارض للإخوان، ينصب كل حديثى على انتقاد الإخوان ومشروعهم وأدائهم والتخويف منهم، وانتقاد أداء الرئيس لدرجة تصيد الأخطاء أو الادعاء بغير الحق؟ وإذا كان للإخوان مشروعهم، فما المشروع السياسى البديل الذى تقدمه تلك التحالفات حتى تقنع به الشارع المصرى؟ ثم إن بعض أطراف هذه التحالفات خاض الانتخابات السابقة ومنى بفشل كبير، فما الذى تغير حتى يكتسب ثقة الناخب؟ وهل يكون تكتل حزبين فاشلين مبرراً أمام الجماهير لاكتساب الأصوات؟. لقد سبق أن قام التحالف الديمقراطى الذى رعاه ودعا إليه الإخوان المسلمين قبل الانتخابات الأخيرة، وكان له هدف نبيل وهو حماية الثورة وقطع الطريق على الفلول وأعداء الثورة، إلا أن هذا الهدف النبيل لم يشفع للتحالف الذى انسحب منه معظم من كان فيه تحت وطأة التنافس على حصص المقاعد الانتخابية، وقد كشفت الانتخابات لاحقاً أن تلك المطالب لم تكن واقعية بالمرة. فكيف ستتجنب التحالفات الجديدة مواجهة ذات المصير؟ لا يكمن الحل فى التجزؤ والتشظى والانقسام والانشقاق ثم إقامة التحالفات والتكتلات، ولكن الحل فى وجود أحزاب ذات أفكار ورؤى جاذبة تستقطب المؤيدين الذين سيتركون الأحزاب الضعيفة والمتهالكة لتبقى فيها القيادات -وحيدة- دون جمهور!