فى كتابه الشهير «لماذا أكتب؟»، أشار الكاتب البريطانى الأشهر جورج أورويل (صاحب روايتَىّ 1984، ومملكة الحيوان) إلى أن هناك دوافع عديدة للكتابة، على أن من أهمها بالنسبة له «الرغبة فى دفع العالم إلى اتجاه معين ولتغيير أفكار الآخرين عن طبيعة المجتمع الذى يجب عليهم أن يسعوا من أجله».. وعندما سُئل الأديب التركى أورهان باموك (الحائز على جائزة نوبل فى الأدب 2006) لماذا تكتب؟ قال «أكتب لأننى لا أستطيع تحمل الحقيقة إلا وأنا أغيرها.. أكتب لأنى غاضب منكم جميعاً ومن العالم كله».. وهو ما أجمله وأوجزه فى كلماته الراقصة المبدع السورى نزار قبانى حين أشار إلى «أكتب كى أفجر الأشياء.. والكتابة انفجار.. لا شىء يحمينا من الموت سوى المرأة والكتابة». وعندما تلقيت دعوة كريمة من الأستاذ مجدى الجلاد للكتابة الأسبوعية فى «الوطن»، وبعد أن انتظمت فى الكتابة الأسبوعية المنتظمة فى جريدة «الأخبار» العريقة، سألت نفسى السؤال نفسه: لماذا تكتب؟ وهل هناك جدوى من الكتابة؟ الكثير يكتبون فى بلدنا والقليل يقرأون.. هل هناك أصلاً من يقرأ؟ وهل أكتب لأمارس فعلاً يحقق إشباعاً ذاتياً (رغم أهميته) وكفى؟ أم لتحقيق هدف عام يفيد المجموع وينهض بالمجتمع؟ ومن القارئ الذى تستهدفه؟ وما الرسالة التى تود إيصالها إليه؟ وغيرها من الأسئلة ذات الطبيعة الجدلية التى قد تصل فى بعض الأحيان إلى دائرة «النقاش البيزنطى» الذى يعقد الأمور أكثر مما يبسطها، ويثير تساؤلات أكثر مما يقدم إجابات.. والحياة لا تحتمل كل هذا التعقيد، وكل هذه «الكلكعة».. والحقيقة أننى أكتب لأحقق عدة أهداف فى آن واحد.. فكرة الكتابة «الكومبو» لا غنى عنها لأى كاتب فى الوقت الحالى.. الكتابة متعددة المستويات والأهداف.. أكتب لأننى أرغب فى «الاتصال والتواصل والتأثير».. أكتب لأننى أرغب فى «تغيير عالمى وعالم من يحيطون بى والعالم الواسع الذى يضمنا جميعاً»، أكتب لأن المشكلات التى تحيط بنا أكبر من أن يحلها فرد واحد، أو عقل واحد، أو مستوى تفكير واحد.. أكتب لأن الكتابة هى الأداة المثلى لتحقيق التنوع الفكرى، والثراء المعرفى، وتبادل الخبرات.. أكتب لأن الكتابة فى جوهرها مسئولية، ومسئولية الكاتب أو المفكر فى هذا التوقيت أن يكون جسراً للتغيير نحو الأفضل، وأن يكون أداة للبناء المجتمعى، وأن يكون وسيلة لتطوير الأداء.. أكتب لأن فى حياتنا كثيراً من العشوائيات التى يجب القضاء عليها، وكثيراً من أوجه الإهمال التى يجب الإشارة إليها، وكثيراً من نواحى القصور التى يجب تلافيها.. أكتب لأن الكتابة هى فى حدّ ذاتها «حياة» تقوم على التجدد والنشاط والتدفق، ومن منا لا يريد الحياة؟ أكتب.. وفى ذهنى اصطياد القارئ الذى أتوجه إليه.. إذ ربما عرضنا حلاً لمشكلة ينتبه إليها مسئول جاد يسعى لحلها، أو لتخفيف تبعاتها، أو لاقتراح البدائل لها.. فى الدول الكبرى تجد أصحاب الأقلام هم صناع القرار، وتشكل كتاباتهم مدخلات لقرارات وتوجهات كبيرة فى مسيرة بناء وتطوير المجتمعات التى ينتمون إليها.. المسئولون ليس لديهم وقت كافٍ لاختراع الحلول أو للتفكير فى الأولويات.. الكتاب ومراكز التفكير هم الأولى بذلك.. المسئولون مسئولون عن التنفيذ لا التفكير.. عن إيجاد السبل لتحقيق الأهداف وليس لصنعها.. ولذلك فإن من وظيفة الكاتب أن يلقى الضوء على الحلول، وأن يقدم المقترحات الكفيلة بحل المشكلات.. ليست الوظيفة الأساسية لأى كاتب هى إلقاء الضوء على المشكلات.. مشكلاتنا معروفة، ومدروسة، وتئن أدراج المسئولين من كثرة التقارير المُجْملة لهذه المشكلات والمفصِّلة لها.. لدينا نقص فى الحلول وفى المقترحات القابلة للتحقيق.. لدينا نقص فى الرؤى القائمة على تصورات علمية.. ولدينا فيض من «الفكاكة» و«الركاكة» و«ادعاء المفهومية».. ولئن ينجح الكاتب فى حل مشكلة ولو بسيطة خير له من الدنيا وما فيها.. أيها القارئ الكريم.. أتمنى أن تكون هذه المساحة الأسبوعية أداة اتصال وتواصل بيننا، وأن يكون حب مصر والعمل على نهضتها هو ما يوحد بيننا.. لعلّ وعسى ننجح فى وضع لبنة ولو صغيرة فى بناء هذا الوطن.