ليست هى مشكلة وزارة واحدة، أو وزير بعينه. هى بالفعل مشكلة حكومة أو أزمة حكم بكامل هيئته. لأنها فى جانب منها مشكلة أمنية تتعلق بعجز وزارة الداخلية عن حماية أبراج الكهرباء أو محطاتها وملاحقة الإرهابيين الذين يتعمدون تفجيرها. وهى فى جانب آخر مشكلة وقود غير متوفر لتشغيل محطات التوليد، ويسأل عن ذلك وزير البترول الذى عجز عن توفير الوقود اللازم لها. وفى جانب ثالث هى مشكلة مالية، ويسأل عنها وزير المالية الذى فشل فى توفير الاعتمادات المالية اللازمة لشراء الوقود الخاص بالمحطات. وهى فى جانب رابع مشكلة تخطيط تخص الوزير المسئول عن تحذير الحكومة مسبقاً لوجود أزمة كهرباء إذا تقاعست عن الاستعداد لمواجهتها. وهى خامساً مشكلة إعلامية تخص القائمين على إعلام الدولة الذى فشل فى توعية المواطنين بترشيد الاستهلاك والاستخدام الأمثل للخدمة، وهى سادساً مشكلة وزارة الأوقاف التى لم تتنبه لدور خطباء المساجد فى حث المواطنين على عدم التبذير فى استهلاك الكهرباء. وهى سابعاً مشكلة تخص وزارة التعليم التى لم تضمن كتاب القراءة بالمدارس درساً لتلاميذها عن أهمية الكهرباء فى حياتنا ودور التلاميذ فى الحفاظ عليها وعدم تبديدها بلا طائل. وهى أولاً وأخيراً مشكلة هذه الحكومة والحكومات التى سبقتها حين فشل الجميع فى توقع هذه الأزمة وتقاعسوا عن الاستعداد لها بمزيد من الاهتمام سواء بإنشاء محطات جديدة أو زيادة قدرات المحطات الموجودة فعلاً وصيانتها. وليس على الحكومة الحالية سوى إعادة ترتيب أولوياتها، فتقف عن الحديث عن استصلاح ملايين الأفدنة هنا وهناك أو عن مشروعات عملاقة تنوى إقامتها أو عن إصلاح أو إعادة هيكلة. فلا طائل من وراء ذلك كله دون حل ناجز وسريع لأزمة الكهرباء التى أصابت مصالح المواطنين ومناحى حياتهم بالشلل التام. فلا سياحة ترجى ولا صحة ولا تعليم ولا صناعة أو زراعة أو نهضة حقيقية نأملها فى أى مجال، قبل أن يتم توفير الكهرباء اللازمة لتشغيل ذلك كله. وما نسمعه أو نقرأه من تصريحات لكبار المسئولين التى يبشروننا فيها بمشروعات عملاقة هنا أو هناك يجعلنا فى حيرة من أمر حكومة تعدنا بالوصول إلى القمر، بينما أقدامنا تتخبط فى الظلام! نعم، هناك مشروعات قومية عملاقة تضعها الحكومة على جدول أعمالها. ولكن المشروع الوحيد الذى يستحوذ على اهتمام المواطنين الآن ويحل أزمة الثقة بينهم وبين الحكومة هو المشروع الذى يضمن به المواطن تخليصه من ظلام دامس بات ينغص عليه حياته، ويكدر عيشته، فيحرمه من الفرح والاستبشار بعهد جديد!