قل كلمتك وامض.. هكذا آمنت دون أن يؤثر نفوذ السلطة أو المصالح أو العلاقات على كلماتى. استشعرت تلك الكلمات واستحضرتها وأنا أقرأ كتاب «خريف هيكل» لمؤلفه الكاتب الصحفى عادل حمودة، الذى قرر فجأة فضح تلون هيكل وعلاقاته وآراءه. وهو توقيت غريب من قبل عادل حمودة، وقد كان لوقت قريب أحد أهم مريدى هيكل وملقبيه بلقب «الأستاذ»! الحقيقة أننى لم أكن يوماً من مريدى محمد حسنين هيكل ولا تابعيه، رغم إعجابى بقدراته الفذة على صياغة المعلومة، والاستمرار فى ظل أى حكم على مدى أكثر من ستين عاماً. وآمنت أن شخصية محفوظ عجب فى رائعة موسى صبرى «فى بلاط صاحبة الجلالة»، تجسيد حى لشخصية هيكل المتلونة بجدارة. ولذا جاء الكتاب ليؤكد ما لدى من وقائع ورؤية تجاه الرجل بشهادة أحد المقربين منه. ومن بينها مثلاً علاقة هيكل بدار الشروق وصاحبها إبراهيم المعلم، وشراكة أبناء هيكل فى الدار والجريدة الصادرة عنها، وعلاقتهم المباشرة بقطر سواء عن طريق شركة القلعة التى حاولت السيطرة على منابع الفكر والثقافة والاقتصاد فى مصر منذ نهاية التسعينات، أو بقناة الجزيرة ذاتها التى قدمت تسجيلات هيكل على شاشتها مقابل ملايين كان الوسيط فيها إبراهيم المعلم وحملت عنوان «هيكل.. تجربة حياة» قال فيها ما يتوافق وما حصل عليه من لقمة عيش هناك. مروراً بعلاقة هيكل بحاكم قطر وزوجته وتقديره لهما! وتواصل هيكل مع الإخوان وتقديمه المشورة لهم، واستمرار محاولاته مع المشير السيسى ليكمل مسيرة الوصاية على مصر دون خجل، قائداً فى ذلك طابوراً من المتلونين أجادوا ركوب الموجة مع تبدل العصور، فخلعوا سترات الحزب الوطنى وارتدوا ثوب الثوار ثم سرعان ما ارتدوا جلابيب الإخوان ببراعة دون لمحة حياء!! ومنهم أبوهشيمة وعمرو الليثى. لم تدهشنى تلك الوقائع بقدر ما فاجأنى مؤلف الكتاب الصحفى عادل حمودة نفسه ولم تقنعنى مبرراته التى صاغها لتوضيح أسباب كشفه اليوم لحقيقة هيكل الملتوية بأنها الرغبة فى حماية وطن من تلاعب هيكل به وعلاقاته الغامضة فى الخارج!! بخاصة أن هناك وقائع استعان بها للتدليل على نفاق هيكل ولعبه دوماً لصالح ذاته دونما اعتبار لذلك الوطن، وتعود وقائعها للسبعينات من القرن الماضى. ومنها على سبيل المثال مبادرة وقف إطلاق النار التى اقترحها الرئيس السادات فى فبراير 1971 مع إسرائيل وحملت مبادئ كامب ديفيد فيما بعد، وماتت كما ولدت لأنه كان لا بد من تحرك عسكرى يثبت قدرتنا على تغيير الأمور. وكيف أن تلك المبادرة صاغ مبادئها هيكل نفسه بشهادة رجال عبدالناصر وعلى رأسهم سامى شرف، ثم كيف تحول هيكل فيما بعد لأكبر معارض بل مشوه للسادات بعد استبعاد الأخير له. ليس هذا فحسب بل إن الكاتب عادل حمودة يروى قصة مقال نشره هيكل فى «الأهرام» قبل حرب أكتوبر 1973 تعمد فيه إحباط القوات المسلحة لإبعاد فكرة الحرب عن ذهنها وتهيئتها لسلام سياسى مع العدو. وأتساءل ألم تكن تعلم يا أستاذ عادل طيلة تلك السنوات حقيقة هيكل اللوذعية؟ أما أكثر ما أدهشنى هو حديث «حمودة» عن لقاء جمعه باللواء عمر سليمان بعد نشره عقد تصدير الغاز لإسرائيل الذى أقام الدنيا ولم يقعدها عام 2007. وما فهمه من رئيس المخابرات وقتها بأهمية الصفقة لتأمين الحدود الشرقية لمصر وأن حسين سالم مجرد وسيط لم يحصل إلا على 15% فقط فى إشارة إلى أن الشركة المصدرة للغاز تابعة للدولة المصرية. ونسى الأستاذ عادل أن يبرر لنا لِمَ لم يتراجع عن موقفه حينها ويصمت أو يهدئ الأمور كما أشعلها. تيقنت بعد انتهائى من الكتاب أن نخبتنا جميعها حان خريفها وشتاؤها وشاخت، وأن مصر بحاجة ماسة لنخبة جديدة لم تتلوث.