صدرت خلال هذا الأسبوع خمسة قرارات من خمسة محافظين بتخفيض الحد الأدنى للقبول بالمرحلة الثانوية، حيث قرر محافظ الدقهلية النزول بالحد الأدنى، ليصبح 223 درجة بدلاً من 235، وفى بورسعيد، خفض المحافظ الحد الأدنى إلى 219 درجة، وفى الغربية تم النزول من 230 إلى 219 درجة، وفى الفيوم تم تخفيض الحد الأدنى إلى 200 درجة، وفى بنى سويف وصل الحد الأدنى إلى 209 بدلاً من 217.5 درجة. وفقاً لهذه القرارات، فإن التفاوت فى الحد الأدنى للقبول بالثانوية العامة فى المحافظات الخمس وصل إلى 23 درجة، وهو الفارق بين الحد الأدنى للقبول فى محافظة الفيوم، والحد الأدنى للقبول فى محافظة الدقهلية، أما باقى المحافظات، فالله أعلم إن كان محافظوها قد قرروا تخفيض الحد الأدنى للقبول بها، أم لا؟ حينما راجعت الأخبار المصاحبة لصدور هذه القرارات وجدت أن القاسم المشترك بينها أنها صدرت «استجابة لمطالب عدد من أولياء أمور الطلاب وتحقيقاً لرغبتهم» كما ورد نصاً فى حالة محافظة الدقهلية، وبصيغ مختلفة فى المحافظات الأربع الأخرى. يعنى ذلك أن هذه قرارات لم تصدر فقط استناداً إلى قواعد النظام التعليمى ومتطلباته، ومعايير الكفاءة والاجتهاد والتحصيل العلمى والمساواة التى يتعين أن تكون وحدها الحاكمة فى تقرير الحد الأدنى للقبول بالثانوية العامة، بل صدرت استناداً إلى أسباب، من بينها التقدير الشخصى للمحافظين والمسئولين بمديريات التعليم، ومستوى رضائهم أو رفضهم لمطالب وضغوط أولياء الأمور، وفى كل الأحوال الأمر ينسف قواعد العدالة والمساواة، لأنه ليس معقولاً أن يحرم طالب فى الدقهلية مثلاً مما يحصل عليه طالب فى الفيوم بقرارات من المحافظين. تكشف هذه القرارات عن حالة «كارثية» فى سياسة القبول بالمدارس الثانوية العامة والتجارية والفنية، إذ كيف يستقيم أن تقوم الأجهزة المعنية بالمحافظات بتحديد الحد الأدنى للقبول وفقاً لمعطيات ومعايير ينظمها نظام القبول، ثم يأتى المحافظ بعد ذلك ويتراجع تحت ضغط بعض أولياء الأمور، فيخفض الحد الأدنى بقرار منفرد، أو بناء على توصية من هذه الجهة أو تلك؟ الأمر بهذه الصورة يعنى أننا أمام «باب ملكى» لإلباس ما هو شخصى وغير موضوعى لباس ما هو عام وموضوعى، بعبارة أخرى، نحن أمام حالة يتحول فيها المحافظ من ممثل لسلطة محايدة فى دولة مؤسسية، تصدر القرارات استناداً إلى مبادئ دستورية وقواعد قانونية بحياد وتجرد، إلى زعيم قبلى أو رئيس عشيرة، يجلس متكئاً على «مخدة» فوق أريكة فى صدر «حوش الدوار»، يستمع للحفدة والأبناء وأبناء العمومة والأشياع والحلفاء، ثم يوزع عليهم العطايا كيفما اتفق، تارة «بتلعيب» الحواجب، وتارة بإشارات الأصابع، وتارة ثالثة بدفع «الصرر المالية» فى الهواء ليتلقفها من يصبو إلى المنحة أو العطية. وإذا أخذنا الأمر فى صورته العصرية الحالية، فيمكن أن يكون الدخول للثانوية هدية من «أونكل المحافظ»، ملفوفة فى ورقة سلوفان ومعها «قفص مانجو» لزوم الوجاهة، تصل لهذا الطالب أو ذاك، ممن تكون أموال عائلاتهم أو نفوذ آبائهم، وسيلتهم للوصول للمحافظ والحصول على الهدية، لتغيير مسارهم التعليمى من دبلوم تجارة أو صناعة أو خلافه، إلى الثانوية العامة، فالجامعة، ليتساووا مع أولاد الغلابة ممن حققوا درجات أعلى، أو أن يحصلوا على حقوق غلابة آخرين، لا يستطيعون الحصول على ثانوية «أونكل المحافظ» الملفوفة فى ورقة فوق قفص مانجو، برجاء أوقفوا هذا العبث.