استكمالاً لبناء كافة مؤسسات الدولة الديمقراطية تستعد جمهورية مصر العربية خلال الأيام القليلة المقبلة لبدء الإجراءات التمهيدية للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها قبل نهاية العام الحالى كآخر استحقاق من خارطة المستقبل. وفى إطار تصحيح الخلل فى التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية منذ 1952 حتى 2013 وللمرة الأولى فى تاريخ جمهورية مصر العربية، عظمت التعديلات الدستورية الأخيرة من سلطات وصلاحيات مجلس النواب، فى مقابل تقليل سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية. حيث منحت التعديلات الدستورية صلاحيات لكل من رئيس الحكومة ولمجلس النواب تتجاوز فى مجملها الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية، ولم يكتف الدستور بذلك فقط بل استلزم أيضاً موافقة مجلس النواب بنسب مختلفة على أغلب صلاحيات رئيس الجمهورية، ونوضح هنا أن دستور 1971 قد تضمن تقريباً ثلاثين مادة من مواده تعطى لرئيس الجمهورية سلطات مطلقة وصلاحيات واسعة منفردة دون أن يملك مجلس الشعب مساءلته إلا فى حالة اتهامه بالخيانة العظمى. وطبقاً للتعديلات الدستورية التى أقرت يناير 2014 يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية؛ وذلك كله على النحو المبين فى الدستور. ويحدد القانون طريقة إعداد الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعرضها على مجلس النواب. إن لمجلس النواب المقبل دوراً بالغ الأهمية فى إعادة تشكيل البنية التشريعية من جديد ووضع المنظومة التشريعية الممهدة والمواكبة لبدء عملية الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى ومراجعة كافة القرارات بقوانين التى صدرت فى عهد الرئيس الأسبق محمد مرسى والرئيس السابق المستشار الجليل عدلى منصور، وكذلك القرارات بقوانين التى صدرت فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، إضافة إلى إصدار ما يقرب من أربعين قانوناً جديداً أوجب الدستور إصدارها، وتعديل ما يجاوز المائة وعشرين قانوناً لتوفيق الأوضاع مع التعديلات الدستورية الجديدة. إلا أن الدور الأهم من وجهة نظرى يتركز فى توجيه الحكومة لتلبية احتياجات الطبقات الأشد احتياجاً وفقراً من خلال توفير الخدمات الأساسية لها وحقوقها الإنسانية الأساسية من مأكل وملبس ومسكن ورعاية صحية ومساءلتها عن أى تقصير فى أداء عملها. وبناء على ذلك فإنه من المتوقع أن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة هى الأشرس فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية وستكون أقوى كثيراً من الانتخابات الرئاسية، لذا فإن رفع مستوى أداء الوظيفة التشريعية يتطلب ضمان توافر عوامل كفاءة الأداء فى البرلمان من خلال تحديد مواصفات النائب البرلمانى التى تؤهله لما سيقدمه من دور حيوى والاضطلاع بمهامه الرقابية والتشريعية بكفاءة، وهو الأمر الذى يحتم علينا جميعاً العمل على تشكيل وعى سياسى حقيقى يصب فى صالح الوطن بما يضمن حسن اختيار المرشحين للبرلمان المقبل لمنع تأثير المال السياسى والاعتبارات العائلية والقبلية وضمان عدم سيطرة فئات معينة على البرلمان، فى مقدمتهم أصحاب النفوذ والمصالح الخاصة وإتاحة الفرصة للتمثيل المتكافئ بين كل أطياف وشرائح المجتمع. لا شك فى أن المرحلة المقبلة هى الأخطر فى تاريخ مصر وهو الأمر الذى يحتم علينا جميعاً التوحد وتحمل المسئولية لبناء مصر الجديدة. إن الشعب المصرى الآن هو الفيصل فى الاختيار.