تحت خط الفقر يعيشون، وبعيداً عن جولات المسئولين وقرارات الحكومة والمحافظ يقضون يومهم، وهم يبحثون عن رغيف الخبز، الاحتياج الأول لهم، فالمشكلة ليست فى مياه وكهرباء وخدمات، بل فى الطعام. إنهم أهالى «مأوى القبارى»، إحدى مناطق العشوائيات بالإسكندرية، والتى تقع غرب المدينة، فى مجتمع مغلق، لا تجد فيه سوى أطفال صغار يلعبون بالشارع، وحيوانات تسكن مع البشر، وبيوت عبارة عن غرف، وعشش، أمامها سيدات يفترشن الأرض، ويبعن أمام منازلهن ما تيسر لهن، فى حياة غير آدمية، يحتويها المرض والجهل. كانت المنطقة قديماً تسمى «مأوى الصيادين» بسبب عمل جميع الأهالى بحرفة الصيد، حيث كانوا يقطنون بها بالقرب من عملهم بالملاحة، لكن بعد ردمها، خلفت وراءها البطالة وتغير اسمها ل«مأوى القبارى». فى إحدى حارات «مأوى القبارى»، يجلس طفل رضيع بجانب أكوام من الردم والحجارة، بإحدى الحارات بعد ما وقعت الغرفة، ومعه أمه وإخوته لعدم قدرتهم على بنائها مرة أخرى. تقول جميلة سلامة، أم ل4 عيال، ومن بينهم الطفل الرضيع: «الغرفة وقعت علىّ أنا والعيال، ومعنديش أى مكان أروحه، وزوجى مسجون وعايشة على مساعدات أهل الخير والمسجد. وتضيف: «مش عارفة أشتغل، معايا طفل رضيع، ومش معايا حتى فلوس أقدر أشترى بيها أى خضار وأبيعه للناس، وبيتى وقع وبنام مع الكلاب فى الشارع، وباكل من مساعدة أهل الخير، لا الدولة بتصرفلى حاجة ولا عارفة أشتغل أو أشغل ابنى الكبير اللى عنده 10 سنين». من جانبها، تحكى أم أسماء مأساتها، وبحثها عن العمل لتوفير لقمة العيش لأولادها ال6، وزوجها الذى يعانى من مرض التخلف العقلى، قائلة: «هعمل إيه، كل يوم بخرج بدعى ربنا، إنه يفرجها من عنده، علشان أرجع بأى حاجة علشان ولادى يأكلوا هما وأبوهم، فزوجى مريض وابنى صغير لو شغلته حيموت، ومش عارفه أعمل إيه، ولا أحد يساعدنى، والهم كله عليا، حاولت أخذ معاش معرفتش وقدمت الورق اللى يثبت أن زوجى متخلف عقلياً محدش سأل فىّ». وجلست الحاجة أم مشاوير، بأحد الشوارع بالمأوى لبيع الخضراوات، قائلة: «أنا قاعدة جنب بيتى بجيب الخضار من السوق وأقعد أبيعه بزيادة 5 قروش للستات بتاعة المأوى علشان أعرف آكل، وأساعد ابنى اللى وراه كوم لحم عايزين يعيشوا». وتابعت: «الستات فى المأوى كلهم بيشتغلوا علشان لقمة العيش، لو ما اشتغلناش مش حنعرف نصرف على عيالنا فالحياة صعبة». «أم سماح» من سكان المأوى، عندما تدق الساعة السابعة صباحاً تستيقظ كل يوم ومعها 3 من بناتها وتترك طفلتها الرضيعة بداخل غرفتها مع أختها، وتذهب إلى فرن العيش البلدى لتشترى ب10 جنيهات، ثم تبيع الرغيف ب10 قروش بدلاً من 5، للأهالى القادرين. تقول «أم سماح»: «الحياة الصعبة جداً، زوجى يشتغل عامل نظافة كل يوم بيأخد 10 جنيهات وعندى 5 بنات أكبرهم إيمان عندها 10 سنين، بنزلهم معايا الصبح علشان نجيب العيش البلدى ب10 جنيهات ونبيعه فى الشارع ونكسب 10 جنيهات كمان، وأترك البنتين الصغيرتين فى البيت وبخاف أن الغرفة تولع بهم، بس مضطرة وتوكلى على الله». ولاحظت «الوطن» عدم وجود بوتاجازات داخل الغرف، واعتماد الأهالى على جهاز عبارة عن عيون متصلة بأنبوبة بوتاجاز لطهى الطعام، والتى تسببت فى حريق كثير من الغرف. وتقول أم عاطف: «معندناش بوتاجازات، كلنا بنطبخ على العيون دية وموصلنها بأنبوبة بوتاجاز، وفى مرة بنتى كانت حتروح منى بسببها. الأستاذة سحر محمد، التى تتولى شئون المأوى والتنسيق مع الجمعيات الخيرية لمساعدة الأهالى، تقول: «إن البطالة أهم المشكلات التى تعانى منها المأوى، قليلاً لما يكون فى رجل يشتغل فى البيت، الراجل يا إما مريض أو مينفعش يشتغل». وتضيف: نحن نريد من المسئولين أن يمروا علينا ليروا مأوى القبارى والأسر التى تعيش تحت خط الفقر.