الاعتصامات المتكررة التى يشهدها عدد من المؤسسات الحكومية جميعها يحمل مطالب أساسية أهمها زيادة الأجور أو تثبيت العمالة المؤقتة وكلها لا غبار عليها.. فالتظاهر حق مشروع للجميع، ومن حق أى فئة أن تتظاهر للمطالبة بحقوقها، إذا لم تحصل عليها من خلال الحوار المباشر مع المسئولين، ولكن من غير المعقول أن يخرج الناس فى وقت واحد لمطالب فئوية خاصة.. لأن هذا سيؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار والفوضى العارمة فى البلد. وإذا كان الوضع بعد ثورة 25 يناير هو ثورة شاملة فى المجتمع، فإن محاولة البعض الالتفاف على هذه الثورة واستغلالها لتحقيق مكاسب فئوية، فهذا يخرج بالثورة عن أهدافها الحقيقية التى نالت تقدير وإعجاب العالم كله. نرى حالة من الشلل أصابت اقتصادنا القومى بسبب الإضرابات والاعتصامات التى ضربت مصر خلال الأيام الماضية، وعدوى الإضرابات امتدت لتشمل معظم المؤسسات والشركات التى خرج عمالها وموظفوها للشارع، بل امتدت إلى المعلمين والموظفين فى الجامعات، وسائقى النقل العام، وكذلك الأطباء، والكثير منها يمثل ابتزازاً وركوباً للموجة واستغلالاً للظروف الصعبة التى تمر بها البلاد، وتناسى هؤلاء أنهم يُكبّدون الدولة خسائر بالمليارات وأنهم أول من سيدفع فواتير هذه الخسائر بسبب توقف عجلات الإنتاج. إن هذا التوقيت ليس مناسباً لتحقيق كل المطالب العمالية والفئوية فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها مصر، وأطالب بأن تتوجه هذه المجموعات المتظاهرة إلى نقاباتها وتختار الحوار طريقاً لعرض مطالبها لرفعها إلى الحكومة مع إعطاء الوقت اللازم لتنفيذها. فهناك استحالة تحقيقها كلها مرة واحدة وفى وقت واحد.. فكيف تستطيع حكومة واحدة إصلاح ما أفسدته الحكومات السابقة فى أيام قليلة أو حتى شهور، وتحقق ما يطلبونه من زيادات فى مرتباتهم فى وقت واحد؟ لا ينبغى أن تتحول المظاهرات والاعتصامات إلى أسلحة نارية موجهة لرأس المؤسسات القائمة.. لأن ما يحدث هو تعطيل للإنتاج والعمل ومضاعفة لآلام مصر، وما نحتاجه هو سرعة مواجهة الخسائر التى حدثت خلال الأسابيع الماضية وما نتج عن ذلك من ركود وتراجع للصادرات.ومن المعروف أن العامل أو الموظف بقبوله العمل فى مؤسسة أو هيئة أبرم بمقتضى موافقته عقداً مع جهة العمل، هذا العقد يرتّب التزامات على كل من العامل من جهة، وعلى جهة العمل من جهة أخرى، ولقد عانينا بالفعل فى السابق من تفاوت فى الدخول بين طبقات المجتمع، فلا شك أن من يعملون فى مؤسسات الدولة سواء كانت تعليمية أو صحية أو تجارية أو صناعية أو غير ذلك قد وقع على كاهلهم ظلم كبير فى السابق، ونحن لا ننكر ما يعانى منه المتظاهرون من ظلم وفقر، وأنهم اتخذوا من التظاهرات السلمية وسيلة لإيصال صوتهم للمسئولين، لكن نقول إنهم قد قاموا بالفعل من خلال تظاهراتهم تلك بإيصال صوتهم إلى الجهات المسئولة الآن فى الدولة، لذا وجب أن تتوقف تلك التظاهرات الفئوية وتنتهى ولو لفترة، لكى نمنح المسئولين الفرصة لتحقيق المطالب. وأقول لأصحاب المطالب: كيف يمكن تحقيق زيادة رواتبهم إذا توقف عملهم وتعطّلت عجلة الإنتاج وشُلّت مصالح الدولة ومرافقها؟! من أين سيأتى العائد الذى سوف يحصلون منه حتى على رواتبهم؟! كيف يمكن أن يتم رفع مستواهم المادى؟ ولهذا فإنه يجب عليهم أن يعودوا إلى مؤسساتهم للعمل بكل جد واجتهاد وفاء للعقد الذى أبرموه مع جهة العمل، فالمولى سبحانه وتعالى أمرنا بذلك «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود».