سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جبال البحر الأحمر: متاهات «آمنة» لتجار السلاح والمخدرات مصادر ل«الوطن»: «الهينو والدبّوكة» وسائل نقل الأسلحة المهربة.. وطائرات الجيش لا تمسح المنطقة باستمرار
حرارة وجفاف، وخطوط صفراء يسهل فيها سير المركبات والجمال، محفوفة بالجبال المائلة للحمرة، معسكرات للجيش ومخابئ للطائرات، وأكمنة تنتشر على مسافات بعيدة بطول الطريق المسفلت الباهت لونه، بعيداً عن ذوى السترات المموهة وبراميل أكمنتهم المطلية بالأزرق والأحمر تسير قوافل المهربين، أسلحة ومخدرات تخترق دروب وأودية (مدقات) السلاسل الجبلية فى الجنوب الشرقى لمصر، لتسفر عن كميات من الأسلحة والمخدرات وغيرها من الممنوعات، تنجح عصابات التهريب فى حقن الأراضى المصرية بها، رغم وجود كتائب الجيش المصرى بكثافة، من الحدود المصرية السودانية عند حلايب وشلاتين. «26 ألف قطعة سلاح، 6500 منها تم ضبطها بعد 30 يونيو 2013» هكذا يعلن تقرير مصلحة الأمن العام الصادر أبريل الماضى، ليرتفع بذلك عدد الأسلحة المضبوطة منذ 25 يناير 2011 إلى 61 ألف قطعة سلاح، وتروج تجارة البارود لحد بلغ معه عدد المضبوطين كتجار أسلحة منذ ثورة يناير ما يقرب من 12 ألف متهم. البداية من الثغرات الحدودية التى شهدت انفلاتاً، مصحوباً بانفلات أمنى فى الداخل، حتى يصف مصدر أمنى أن «تجار المخدرات تحولوا إلى تجار للسلاح». يشير «م. ص»، وهو أحد المرتبطين بمهربى الأسلحة والمخدرات فى تلك المنطقة، إلى أن «المدقات أو الأودية التى تتخلل جبال البحر الأحمر تصب فى مناطق متعددة، منها منطقة شلاتين، وأشهر أودية تلك المنطقة (الأودية العامة الأكثر اتساعاً) وادى العلاقى ووادى الجمال، وهذان الواديان يتفرعان عدة تفرعات لا يمكن السيطرة عليها بالكامل من قبل القوات المسلحة، وأغلب تلك التفرعات تؤدى إلى محافظة أسوان، ويجتازها المهربون إما بقطيع من الجمال (الدبّوكة)، أو عربات (الهينو) رباعية الدفع». حاولت «الوطن» اختبار الرقابة على تلك الأودية التى يذكرها «م. ص» بالتوغل فى أحد أودية جبل «علبة» التى تتفرع فيها الأودية بشكل لافت للنظر، ويحتاج إلى خبرة كبيرة بتلك الدروب، وهو ما استدعى رجوعنا مرة ثانية لعدم وجود أى دليل مرافق للرحلة، وفى رحلتى الدخول والخروج فى أودية الجبل، الذى يقع فى الركن الجنوبى الشرقى لمصر، لم تعترضنا أى دوريات ثابتة أو متحركة تابعة للقوات المسلحة أو للشرطة. أحد المرتبطين بمهربى الأسلحة فى محافظة جنوبسيناء قال إن كل المدقات والأودية فى جبل علبة (الذى حاولنا العبور منه) تنفذ إلى بعضها البعض، ويشترط فيمن يدخل تلك الأودية أن يكون ذا دراية تامة باتجاهاتها حتى لا يتوه فيها، ومن ثم تكون نهايته أن يموت أو أن يختطفه أو يقتله المهربون أو تعتقله وتحاكمه قوات الجيش إن لم تقتله فى الحال». ويذكر «م. ص»، الذى اختلط لفترة بمهربى البحر الأحمر، أن «منفذ سهين الذى يقع فى منطقة حلايب وشلاتين، كان أحد المنافذ المستخدمة فى التهريب حتى فترة التسعينات، حين أحكمت القوات المسلحة قبضتها عليه وحوّلته لمنفذ لها تقيم عنده قوة من حرس الحدود، وتعبر حالياً من هذا المنفذ كل أنواع التجارة من السودان إلى مصر». وتعبر يومياً عشرات السيارات من وإلى السودان عبر الحدود الجنوبيةالشرقية بمحافظة البحر الأحمر، وعلى ما يقوله المصدر المرتبط بمهربى المحافظة، فإن «قوات حرس الحدود لا تفتش حمولات الحبوب والمحاصيل الزراعية وغيرها، ما لم تكن نوعية الحمولة ضمن البضائع الممنوع تصديرها أو استيرادها، وفضلاً عن عدم التفتيش الدقيق فإن القوات لا تحوز كلاباً بوليسية، مما يتيح الفرصة بشكل كبير أمام عمليات تهريب المخدرات التى لا تكشفها الأجهزة المتواضعة التى تستخدمها قوات حرس الحدود فى التفتيش عن قطع السلاح ضمن تلك الحمولات». «تبعية الوديان الجبلية للقبائل المقيمة بالبحر الأحمر تبعية اسمية فقط» يقول المصدر «م. ص» ذو العلاقة بمهربى المنطقة، لافتاً إلى أن «كل قبيلة من تلك القبائل كالعبابدة والرشايدة (أشهر قبيلتين بالمنطقة) تسكن بعض تلك الأودية منذ زمن بعيد، وتقول إنها صاحبة ذلك الوادى، بما يشبه وضع اليد، لكن تبعية تلك الأودية لا تعدو مجرد كونها تبعية اسمية، لأن القوات المسلحة تسيطر على بعضها والمهربين يعبرون من بعضها». ويكشف المصدر المتعامل مع هؤلاء المهربين أن بعض المهربين يعتمدون على مجموعة من العتالين (وهم عمال الشحن والتفريغ المرافقون لعربات النقل)، ويطلق على العتّال فى هذه المنطقة (الكلّا)، وهؤلاء العتالون المرافقون لشحنات الأسلحة أحياناً ما يحملون على أكتافهم صناديق الأسلحة ويتجاوزون بها الجبال بعيداً عن الوادى نفسه ويعبرون إلى ما بعد الأكمنة أو جنود حرس الحدود فى بعض تلك الأودية ليلتقوا ثانية بالعربات ويعيدوا إليها حمولة الأسلحة أو المخدرات المراد تهريبها إلى داخل مصر». «طائرات الجيش لا تمسح المنطقة بصفة مستمرة ودورية، مما يجعل الفرصة سانحة أمام المهربين» يقول «م. ص» المختلط بمهربى المحافظة. لافتاً إلى أن قوات الجيش تعتمد على مجموعة من السودانيين أو سكان المنطقة ممن يختلطون بالمهربين لفضح أخبار عمليات التهريب». مهربو البحر الأحمر شديدو الحرص ولا يشى بعضهم ببعض، مما يعنى أن مهربى المخدرات يعرفون مهربى الأسلحة وبينهم تعاملات ومصالح مشتركة، فضلاً عن استخدامهم نفس الدروب والوديان فى نفس الوقت أحياناً، تحت رعاية القبائل التى تتقاسم فيما بينها الدروب والوديان، فلكل مجموعة من الوديان نفوذ لإحدى القبائل أو إحدى العائلات. ولدى القوات المسلحة، بحسب المصدر، خبرة كافية بالعائلات التى تهيمن على الأودية والجبال والدروب الصحراوية والمدقات التى تسلكها قوافل المهربين. لكنه يضيف «أحياناً قد تكون موازين القوى بين المهربين والجيش غير متكافئة وتصب فى مصلحة المهربين الذين يتحركون فى قوافل من أربع أو خمس سيارات دفع رباعى فيما تكون قوة الجيش فى المكان ذاته عبارة عن دورية من سيارة واحدة يصعب عليها التعامل فى تلك المعارك المحسومة لمصلحة المهربين.. وهذا ما حدث بالفعل منذ حوالى عدة أشهر». ويقول المسئول بمحميات البحر الأحمر إن «جنوبسيناء ليس منفذاً لتهريب المخدرات، لكنه مخصص بشكل رئيسى فى تهريب الأسلحة والبشر (الأفارقة المتسللين من السودان إلى إسرائيل عبر الأراضى المصرية) أما تهريب المخدرات فمركزه الأساسى شمال سيناء». ويؤكد المصدر أن كثيراً من المعلومات التى لديه معروفة لدى البدو القاطنين فى تلك المناطق، وحتى الذين يختلط بهم بسبب طبيعة عمله، ورغم هذا فإنه يقدر أنه «فى مقابل كل ضبطية تضبطها القوات المسلحة هناك عشر عمليات تهريب تنجح فى المقابل». تنتشر أكمنة القوات المسلحة والشرطة بطول الطريقين المؤديين إلى حلايب وشلاتين جنوباً وإدفو فى الشرق، لكن سعيد القاضى، الذى يقطن مدينة مرسى علم، يؤكد أن تلك الأكمنة «غير مفعّلة»، ويضيف القاضى أن «عدم فعالية الأكمنة والانفلات الأمنى ساعدا بعد الثورة على انتشار ظاهرة التنقيب عن الذهب، حيث يوجد أكبر منجم فى مصر (منجم السكرى) بها». ويلفت «القاضى» إلى أن «عمليات تهريب البشر (الأفارقة) تتم عن طريق المدقات والطرق الصحراوية التى تتخلل سلاسل جبال البحر الأحمر، ولبعض هذه المدقات منفذ يوصل من الحدود الجنوبية للمحافظة إلى طريق (إدفو - مرسى علم) حيث ضبطت قوة أحد الأكمنة على الطريق (كمين يبعد عن البحر حوالى 120 كم) عملية تهريب لمجموعة من الأفارقة داخل فنطاس مياه، وهذه إحدى الحيل التى اعتمد عليها المهربون فى تهريب الممنوعات والمتسللين عبر الحدود». فى المقابل ينتقد «القاضى» فقر الخدمات فى قرى أبوغصون، وحماطة، والشيخ الشاذلى التى يزورها مئات الآلاف سنوياً فى عيد الأضحى، لإقامة احتفالات صوفية بها، ويقول إن «الخدمات تتراجع فى تلك المناطق بشكل كبير وملحوظ، حيث تضعف فيها شبكات الاتصالات، وتنعدم فرصة وجود مستشفيات بها تخصصات كافية، وكذلك لا توجد بها بنية تحتية متقدمة، بداية من شبكات المياه العذبة وصولاً لشبكة الصرف الصحى» لافتاً إلى أن «مدينة مرسى علم ليست أفضل كثيراً من ناحية الخدمات». تقع منطقة شلاتين بالكامل فى نطاق محمية جبل علبة التى تقترب مساحتها من 36 ألف كم2، «لهذا تجد القوات المسلحة صعوبة فى السيطرة على المنطقة بالكامل ذات الطبيعة الجبلية والمتاخمة لشواطئ البحر الأحمر جنوب غرب الصحراء الشرقية» هكذا يفسّر آدم، أحد سكان منطقة شلاتين، الذى يعير حجم الوجود الشرطى «المحدود»، بحسب قوله، أهمية فى ازدياد أعمال التهريب فى المنطقة قائلاً «لا يوجد سوى قسم شرطة شلاتين ونقطة شرطة أبورماد فى تلك المنطقة الواسعة التى تضم حلايب وشلاتين وأبورماد وحدربة». دكتور عادل عبدالرحمن عايش، مدير إدارة الطب البيطرى فى منطقة شلاتين، يؤكد أنه «حتى الثروة الحيوانية يتم تهريبها، وكثيراً ما تسلمنا قوات حرس الحدود رؤوس ماشية مُضبوطة أثناء تهريبها عبر الأودية الحدودية»، ويلفت آدم لجهود قوات حرس الحدود فى ضبط أعمال التهريب لكنه يردف أن «جهود الجيش المبذولة لن تمكنهم مطلقاً من السيطرة على المساحات الشاسعة (من شلاتين شرقاً لأسوان غرباً) ذات الطبيعة الجبلية». يوضح «عايش» أن سلاسل جبال البحر الأحمر فى تلك المنطقة ليست كتلة واحدة من الجبال وإنما جبال متفرقة بينها مدقات ومنافذ ودروب (مدقات) يمكن للمهربين المرور بينها، فيما تحول الجبال نفسها بينهم وبين كتائب الجيش المعسكرة فى بعض الأماكن». ويشبه آدم حسن صابر، المنحدر من أبوين ينتميان لقبيلتى العبابدة والرشايدة، دروب الجبل فى تلك المنطقة ب«المتاهات» التى لا يعلم مخابئها سوى من يعملون فى مجال التهريب وقليلين من أبناء القبائل التى تقع تلك الأودية فى نطاق حيازتهم التاريخية». ويتابع أن «الحدود مفتوحة أمام المهربين بكافة أنواعهم، بداية من مهربى الأرز إلى السودان والماشية إلى مصر وصولاً إلى الأسلحة والمخدرات» غير أن مهربى الأسلحة والمخدرات «لا يلجأون إلى الطرق الرسمية لتهريب ما يريدون تهريبه وبالتالى لا يقومون بأى حيل لذلك، لأن ضبطهم من قبل الجيش معناه مواجهة، أما مهربو الأرز والمنتجات الغذائية فيلجأون أحياناً لحيل لتمرير شحناتهم عبر الحدود، كأن يدسّوا شكائر الأرز أسفل شحنة من الرمل أو داخل فناطيس المياه وإن تم ضبطهم فالعقوبة ستكون أبسط». ويقول «آدم» إن «تنمية المجتمع العمرانى فى تلك المنطقة الحدودية ورفع مستوى الخدمات بداية من المدارس التى لا يوجد بها معلمون بعدد كاف، أو الوحدات الصحية التى لا تغطى كل التخصصات، أو تدشين شبكات للمياه النيلية العذبة والصرف الصحى، وكذلك تعديل الطرق السريعة التى تصل شلاتين بغيرها من المناطق، هذه التنمية ستكون السبب فى إنماء المجتمع السكانى وزيادة الوجود، بما يقطع الطريق أمام عمليات التهريب التى ستصطدم بمدن، ويشير آدم إلى أن «السلطات المصرية خصصت 750 مليون جنيه تقريباً لتنمية المنطقة لكن هذه المخصصات لا بد أن تُدار بطريقة صحيحة حتى لا تذهب هباءً، ولا بد من إعادة تخطيط العزب وتقنين أوضاع السكان وتمليكهم الأراضى والسماح للمواطنين ببناء بيوت من الطوب، بدلاً من بيوت الخشب التى تلتهمها النار التى تشتعل بين الحين والآخر فى بعضها». ويكرر آدم، الموظف الحكومى المقيم بشلاتين، حديثه عن دور القوات المسلحة فى إعمار تلك المنطقة وتأهيلها بما يخدم الشق الأمنى وكذلك السكان، «أصلنا عايشين فى حضن كتائب القوات المسلحة، رغم أننا (كسكان شلاتين) أغلبنا معفيون من الخدمة فى القوات المسلحة بحكم الخلفية التاريخية وتبعيتنا فى السابق للسودان، فإن لم نعقد فيها الأمل ففى من سنعقد الأمل إذن؟» يقول آدم. الأخبار المتعلقة «ثغرات» على الحدود: من هنا يمر الإرهاب الوادى الجديد: دروب العربان القديمة.. «كلمة السر» فى مجزرة الفرافرة أسوان: «العلاقى» و«السيالة» و«وادى حيمر».. ثلاثية المرور إلى السودان