كما كان إنشاء الاتحاد الهاشمى (بين العراق والأردن) لمواجهة الوحدة المصرية السورية (الجمهورية العربية المتحدة)، فإن بريطانيا تصنع اتحاداً جديداً لمواجهة اتحاد اليمن مع الجمهورية العربية المتحدة، والاسم الذى اختارته بريطانيا للاتحاد اليمنى الجديد هو «الولايات العربية المتحدة». إذا انتقلت من ميناء عدن على شاطئ البحر العربى إلى ميناء لا يبتعد غير 76 ميلاً من الشاطئ، فإنك رغم قصر هذه المسافة تمر بست ولايات مختلفة، ولو كنت تحمل معك بضاعة لدفعت عليها رسوم جمارك 6 مرات، ولمررت بستة أعلام وعبرت ستة حدود، كل إمارة يحكمها أمير أو تحمل اسم مشيخة يحكمها شيخ. وبعض الحكام يتمتع بلقب حضرة صاحب السمو وبعضهم لا يزال يحمل لقب «زمندار نضام حيدر آباد»، أى يحمل لقب ورثه حين كانت هذه المناطق تابعة للهند خلال الاستعمار البريطانى. وجنوب الجزيرة العربية ينقسم إلى 30 ولاية منها، لكن بريطانيا تسعى لاتحاد ست من هذه الولايات فقط، رداً على اتحاد اليمن مع الجمهورية العربية المتحدة. إن للإجراء مقدمات تاريخية؛ فقد نزلت بريطانيا عَمّان منذ أن كانت تابعة لليمن فى عام 1839، ومنذ ذلك التاريخ أخذت تقتطع وتسلخ مناطق عديدة عن اليمن؛ ففى عام 1839 اقتطعت أجزاء، وفى عام 1886 اقتطعت أجزاء أخرى، وفى عام 1938. وعرفت هذه المناطق أخيراً باسم عدن والمحميات، وتتمسك اليمن بأن تسميها «اليمن المحتلة» واتصلت بريطانيا وما زالت برؤساء ومشايخ القبائل وحاولت أن تثير وتوسع الخلاف بينهم. فألقت الطائرات البريطانية فى عام 1928 منشوراً على أهالى المناطق شافعية المذهب المحيطة باليمن يحمل إمضاء حاكم عدن جنرال كيف استيوارت. ويقول: «إن ما قاسيتم من تأثير هذه القذائف جراء ما يفعله الزيود (أتباع المذهب الزيدى) وكل مجلس ليس فيه حامية زيدية لن تُرمى عليه القنابل من طائراتنا، ولكى تعيشوا فى أمان نعلمكم أن طائراتنا لن تلقى هذه القذائف فى أيام العيد بتاريخ 30 رمضان وأول شوال الموافق فى عام 1928. لكن أى رمى بالقذائف يقوم به الزيود سيؤدى إلى لزوم الضرب. فإن وقع أى ضرب فى هذه الأيام ستعرفون أن الزيود هم المسئولون». وهذا المنشور يوجَّه تجاه السياسة البريطانية فى التفرقة بين أبناء المذهب الشافعى والمذهب الزيدى مع أنه قد لا يوجد فارق مهم بين المذهبين فى جوهر الحقيقة. فكرة إقامة دولة «الولايات العربية المتحدة» كانت على مكتب وزير المستعمرات منذ عامين، وأعلنها حاكم عدن، هيك بوتان، واستشير فيها حكام وشيوخ المنطقة، لكنها وُضعت على الرف. وفجأة أصبحت الفكرة ضرورية وملحة الآن، والسبب ظهور قوة جديدة فى شبه الجزيرة، وتقول الأخبار من عدن: إن حاكم عدن يستشير حكام المحميات فى تكوين اتحاد بين هذه الولايات والمشروع يرمى إلى توحيد خمس محميات بالذات تقع على حدود اليمن الجنوبية، وهذه المحميات هى: محمية بيجان، ومحمية العواذل، وإمارة الظالع، ومحمية أبين، وسلطنة يافع السفلى. والغرض من توحيد هذه المحميات بالذات وترك المحميات الأخرى المتاخمة لحدود اليمن وهى العوالق والحوشى ويافع العليا، هو أن بريطانيا تعتقد أن شعوب هذه المحميات تعرض المشروع للخطر. وهناك على حدود اليمن من الجنوب محمية أخرى هى سلطنة لحج، وهى أكثر المحميات تطوراً، ولكن هناك بقية رؤساء فى المحميات الأخرى ينفرون من سلطان لحج لأنهم يعتقدون أنه يسعى لغرض فرض سلطته؛ لأنه صاحب المحمية الأقوى فى الجنوب. وينص المشروع على أن يكون اسم الدولة الجديدة الولاياتالمتحدة العربية، كما ينص على إلغاء جميع المعاهدات التى تلتزم بها تلك المحميات وتوقيع معاهدة جديدة بين حكومة صاحبة الجلالة وبين الولاياتالمتحدة العربية، تسمَّى المعاهدة الاستشارية، على أن تنص على أن هذه الاستشارة تكون ملزمة، وأن تعقد اتفاقيات مع بريطانيا تخول حكومة صاحبة الجلالة السيطرة على ثروات المنطقة، وتقول الأنباء إن الاتجاه يرمى إلى توحيد الحرس القبلى وأن يكون اسم الحرس الجديد «الحرس الوطنى»، وتنسيق النظام الاقتصادى فى الدولة الاتحادية الجديدة وإدخال زراعة القطن بها. وفى محميات هذه المنطقة عدة مطارات، منها: مطار الضالع ومطار بيجان وبضعة مطارات مجهولة، وهناك مشروع لجعل عدن أكبر ميناء فى العالم لتزويد السفن بالبترول أكثر من نيويورك، كما ستنقل بريطانيا مركز قيادتها بالشرق الأوسط إليها.