بعد نشاط تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية والذي يتخذ من اليمن مقراً له، بات هناك سؤال مطروح بقوة في الفترة الأخيرة -خاصة بعد محاولته تفجير الطائرة الأمريكية في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي وهي في طريقها من أمستردام إلى ديترويت الأمريكية- وهو: هل تتحوّل اليمن إلى أفغانستان أخرى؟! يُذكر أن هذه المحاولة قام بها طالب نيجيري مكث في اليمن فترة قبل تنفيذه العملية، واعترف في التحقيقات أن تنظيم القاعدة باليمن هو من سلّمه العبوة الناسفة التي ضُبطت معه، ويبدو أن هناك مواجهة كبيرة بين تنظيم القاعدة في اليمن وبين كل من الولاياتالمتحدة والحكومة اليمنية المهتمة بالتعاون مع أمريكا في مجال مكافحة الإرهاب؛ حيث جاء توقيت محاولة تفجير الطائرة الأمريكية بعد اتهام القاعدة للقوات الأمريكية بشن هجوم جوي على بعض مواقعها في اليمن؛ مما أسفر عن سقوط 50 قتيلاً بينهم بعض أعضاء التنظيم، بدأت هذه المواجهة مع قيام التنظيم بضرب المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن عام 2000، ومنذ ذلك الحين والعمليات مستمرة بين الجانبين، وسبق للتنظيم ضرب مقر السفارة الأمريكية الحصين في صنعاء العام الماضي، وكذلك ضرب ناقلة بترول فرنسية؛ فضلاً عن ضرب مقر الرئاسة اليمنية في صنعاء. وأصبح تنظيم القاعدة في اليمن قويا جدا، ونفوذه آخذ في الازدياد في العديد من المدن، وهو ما يتزامن في الوقت ذاته مع اتساع نشاط الحوثيين في البلاد، وهم من الشيعة "الاثنا عشرية" التابعين لإيران، والذي انتشر نفوذهم بقوة في الفترة الأخيرة، بالرغم من أن المذهب الاثنا عشري الشيعي لا ينتشر بقوة في اليمن؛ بل إن المذهب الزيدي الشيعي -نسبة إلى سيدنا زيد زين العابدين ابن سيدنا الحسين بن علي ابن أبي طالب- القريب إلى المذهب السني هو المنتشر هناك؛ لكن يبدو أن هناك عدة ظروف دفعت إلى بروز نفوذ الحوثيين وانتشار فكرهم في اليمن واستمرارهم حتى الآن في المواجهة ضد الجيش اليمني. وكان من أبرز الأسباب التي أدت إلى بسط نفوذ الحوثيين في اليمن؛ هو دعم بعض القبائل اليمنية لهم؛ خاصة القبائل المعارضة للنظام والتي توجد بينها وبينه حالة عداء وخصومة، فهذه القبائل تدعم هؤلاء بغض النظر عن أفكارهم الدينية أو حتى مذهبهم، كما أن الطبيعة الجبلية اليمنية تجعل هناك صعوبة على الجيش النظامي اليمني في تعقب هؤلاء والقضاء عليهم نهائيا، ومن ثم فإن توجيه الضربات الجوية قد يكون هو الحل الأكثر كفاءة؛ لكن وعورة هذه التضاريس التي تُشبه إلى حد كبير التضاريس الأفغانية تجعل هناك صعوبة على القوات اليمنية أو حتى القوات الأمريكية في تعقب هؤلاء، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية في اليمن، والتي أدت إلى وجود نسبة كبيرة من الناقمين على النظام، ومن ثم فإن هؤلاء أعلنوا دعمهم للحوثيين ليس بسبب أفكارهم؛ ولكن بسبب معارضتهم للنظام اليمني، كما أن هناك حالة من التذمر في الجنوب، وتصاعد الدعوات لانفصال الجنوب من جديد، خاصة بعد بروز تصريحات للرئيس اليمني الجنوبي السابق "علي سالم البيض" من منفاه في ألمانيا بهذا الشأن، بالإضافة إلى وجود دعم خارجي لهذه القوات الحوثية ومصدر هذا الدعم الرئيسي إيران، ولعل هذا يُفسر أسباب سعي الحوثيين للاستيلاء على بعض المدن الساحلية من أجل تأمين وصول السلاح بحرا.
كل هذه الأسباب من شأنها تشتيت جهود الحكومة اليمنية وجعلها عاجزة عن مواجهة هؤلاء، لذا فإن اليمن صار مهدداً من ثلاث قوى في آن واحد، بالرغم من عدم وجود تنسيق بينها بسبب اختلاف توجهاتها الفكرية، وهذه القوى هي تنظيم القاعدة ذو النشأة السنية والتوجهات السلفية، والحوثيون ذوي التوجهات الشيعية الاثنا عشرية والمدعومة من إيران، فضلا عن قوى التمرد الجنوبي ذات التوجهات الاشتراكية. هذا الوضع المتدهور في اليمن يجعلها أشبه بما يحدث في أفغانستان من حيث وجود قوى جهادية من ناحية طالبان والقاعدة، فضلا عن وجود نفوذ شيعي إيراني في غرب أفغانستان، خاصة في إقليم هيرات وهو ما يؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة، وهو ما يخشى حدوثه أيضا في اليمن والتي تتمتع بموقع استيراتيجي هام على كل من البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب، الذي يعد هو طريق التجارة الدولي؛ إذ تعبر من خلاله قرابة 40% من التجارة العالمية، لذا فهو يشهد اهتماما متزايدا في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد بروز القراصنة في الجهة المقابلة لليمن حيث الصومال، ومن ثم فإن اليمن تشكل قاعدة هامة لمواجهة هؤلاء القراصنة. اليمن ليست أفغانستان رغم خطورة الوضع في اليمن -كما ذكرنا- إلا أن هناك فارقا بينها وبين أفغانستان، يتمثل هذا الفارق في أن الحكومة اليمنية لا تزال تمسك بمقاليد الأمور في يدها على عكس الوضع في أفغانستان قبل التدخل الأمريكي عام 2001، حيث كانت الهيمنة في حينها لحركة طالبان المناوئة لواشنطن والمهددة لمصالحها في تلك المنطقة، ومن ناحية أخرى، فإن فكرة التدخل الأمريكي عبر إرسال قوات يعدّ أمرا من الصعب حدوثه في ظل وجود قواتها في العراق وأفغانستان، ومن ثم فإن البديل بالنسبة لواشنطن هو القيام بدعم القوات اليمنية من خلال توفير الدعم المالي لها من ناحية، والدعم التقني من ناحية أخرى عن طريق إرسال خبراء أمريكيين لتدريب القوات اليمنية على مواجهة قوى التمرد الحوثية والقاعدة، لكن يبدو أن التحرك الأمريكي لن يكون منفردا؛ لأن الدول الأوروبية تشارك أمريكا نفس المخاوف وتخشى على مصالحها التجارية في هذه المنطقة الحيوية، ولعل هذا ما دفع جوردن براون -رئيس وزراء بريطانيا- إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي لمواجهة الإرهاب في اليمن، وهو ما رحبت به الحكومة اليمنية التي ترغب في الحصول على مزيد من الدعم لمواجهة قوى التمرد والمعارضة من ناحية، ولتحسين شرعيتها المفقودة من ناحية أخرى.