انضم اليمن رسمياً فى مؤتمر لندن إلى قائمة الدول التى جرى تدويل ملفاتها الداخلية، باعتبارها «بؤراً إرهابية» جديدة، حتى مع إعلان الحوثيين مبادرتهم للانسحاب من الأراضى السعودية، التى لا تعدو كونها قراراً تكتيكياً لالتقاط الأنفاس، كانوا هم فى أمس الحاجة الوجيستية إليه. المؤتمر الهادف للقضاء على الإرهاب، الذى تزامن مع الإعلان عن عمليات عسكرية أمريكية - يمنية مشتركة، تمخض عن آخر تستضيفه الرياض الشهر المقبل للدول المانحة، وهكذا يستعد اليمن، الذى كان حتى الأمس القريب «سعيداً»، لفتح جبهاته الداخلية على مصراعيها لتصفية حسابات إقليمية، لا ناقة له فيها ولا جمل. فبين التهديدات الأمريكية لخطر «القاعدة» الصاعد عند مضيق هرمز، والتوترات السعودية - الإيرانية، والمؤتمرات الدولية، وما تحمله فى ثناياها من وصايا، تختلط الأوراق الداخلية بالمخططات الخارجية، فتبرز «فوضى السلاح»، كإحدى ذرائع التدخل الخارجى، فضلاً عن استغلال إسرائيل للأزمة ومحاولاتها خطب ود «الطائفة اليهودية» فى اليمن وترحيلها إلى إسرائيل، بما يصاحبه ذلك من روايات «الاضطهاد والتنكيل»، التى تتاجر بها دولياً، شأنها شأن سائر الأزمات. وما لم يدرك المجتمع الدولى الحساسيات القبلية التى تحكم فوضى السلاح فى اليمن، وتحرك طبيعة علاقات طوائفه المختلفة من شيعية وسنية ويهودية ومسيحية، سيفتقر إلى رؤية استراتيجية سليمة، لن يدفع ثمنها فى النهاية سوى اليمنيين أنفسهم. «اليمن» يدخل نفق التدويل.. و«صنعاء» تخرج من اللعبة بعد خمس سنوات وست جولات من المواجهات بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، أخذت التطورات السياسية والعسكرية فى هذا البلد منحىً آخر حددته عدة عوامل بدأت مع تسلل الحوثيين للجانب السعودى من الحدود مع اليمن ودخولهم فى مواجهات مع الجيش السعودى قبل 3 شهور، مروراً بمحاولة التفجير الفاشلة لطائرة ديترويت الأمريكية عشية عيد الميلاد، وبالدعوة البريطانية لعقد مؤتمر دولى لبحث أحداث اليمن، ما يعنى ضمناً تحويلها من ملف داخلى إلى قضية دولية، يشكل «الإرهاب» ذريعتها المباشرة للتدخل الأجنبى فى الفترة المقبلة، رغم استباق الحوثيين للمؤتمر بالإعلان عن انسحابهم، فى محاولة منهم لطمأنة الغرب إزاءهم. فمن ناحية، فإن المغامرة الحوثية التى جرت السعوديين إلى المعركة بمسوغ الدفاع عن أراضيهم وشعبهم، وصفتها الحكومة اليمنية بأنها مؤشر على طريق الانتحار الذى يتجه إليه الحوثيون، فيما اعتبرها مراقبون ومحللون سياسيون إعلاناً لتدويل القضية الحوثية وخروجا من نطاق الشأن الداخلى اليمنى إلى الإطار الإقليمى، لن تفلح معها محاولة الحوثيين تهدئة المجتمع الدولى بمبادرة تكتيكية. الكاتب والمحلل السياسى محمد الغبارى أكد أن دخول السعودية على خط المواجهة على مدر ال 3 أشهر الماضية حوّل الحرب الداخلية إلى أزمة إقليمية، وقال ل«المصرى اليوم» إنه نتيجة مغامرات الحوثيين أصبحت الأزمة دولية بالفعل، تماما مثلما حدث مع أفغانستان وباكستان، مشيرا إلى أن التحكم بمصير الحرب فى الفترة الوجيزة المقبلة سيصبح مرهوناً بالعلاقات السياسية بين طهرانوالرياض بينما ستخرج اليمن من اللعبة. ومن جانبه قلل الكاتب اليمنى، توفيق السامعى، من إعلان الحوثيين انسحابهم وأكد أن تصعيدهم طوال الأشهر الماضية للمعركة ضد السعودية بالإضافة إلى هدف أقلمة الحرب للتدخل الدولى لحل المشكلة مع النظام اليمنى كان مرده محاولتهم كسب تعاطف كثير من الشرائح والقبائل والقوى اليمنية نتيجة الحساسيات التاريخية مع السعودية، مشيرا فى الوقت ذاته إلى أن اليمن صارت ساحة لتصفية الحسابات بين المشروع الإيرانى الشيعى والمشروع السعودى السنى من الناحية المذهبية أما من الناحية السياسية فإن إيران تريد أن تخنق الشريان النفطى للولايات المتحدة عبر التضييق على السعودية بعد تهديدات إيران أكثر من مرة بأنها سترد على الغرب إذا ما اتخذ خطوات الحصار أو ضرب إيران بإغلاق مضيق هرمز على الخليج العربى. وقبل انتقال المواجهات إلى الجانب السعودى، كان الحديث عن الدورين الإيرانى والسعودى فيما يجرى فى اليمن محصوراً فى نطاق اتهامات يمنية لمرجعيات فى إيران بتقديم الدعم للمتمردين، وفى المقابل اتهامات من جانب الحوثيين للسعودية بتقديم الدعم للحكومة اليمنية والعثور على آليات عسكرية تم الاستيلاء عليها خلال المواجهات مع الجيش اليمنى اتضح إنها تحمل لوحات سعودية. وتطورت هذه الاتهامات فى أكتوبر الماضى مع إعلان السلطات اليمنية أنها ضبطت سفينة إيرانية قبالة شواطئ ميدى على البحر الأحمر كانت محملة بشحنة أسلحة مضادة للدروع بغرض إرسالها للمتمردين، وأن خمسة إيرانيين وهنديا أوقفوا على متن السفينة ويجرى التحقيق معهم، فيما اتهم الحوثيون الجيش السعودى فى 19 أكتوبر الماضى بقصف سوق فى بلدة يمنية حدودية وأن السلطات السعودية فتحت أراضيها للجيش اليمنى ومكنته من التمركز فى قاعدة عسكرية سعودية فى جبل الدخان السعودى. وعقب بروز المواجهات بصورة مباشرة بين الجيش السعودى والمتسللين الحوثيين إلى داخل الأراضى السعودية، جاء الموقف الإيرانى الرسمى من هذا التطور اللافت على لسان وزير الخارجية الإيرانى منوشهر متقى الذى حذر جيران اليمن من التدخل فى الشأن الداخلى اليمنى فى إشارة إلى السعودية وتبعه بعد يومين حديث لرئيس مجلس الشورى الإيرانى على لاريجانى تناول فيه تصاعد حدة الحوادث المؤسفة فى اليمن خلال الأسبوعين الأخيرين، مضيفاً على حد قوله أن التدخل السعودى فى اليمن والقصف المتتالى الذى تشنه المقاتلات السعودية ضد «المسلمين اليمنيين» يبعث على الاستغراب، وتساءل لاريجانى كيف سمح خادم الحرمين فى هذه الأيام الخاصة بإراقة دماء المسلمين فى اليمن باستخدام القدرات العسكرية السعودية، فى إشارة إلى موسم الحج. وذكر لاريجانى أن الولاياتالمتحدة تقف أيضا وراء القصف السعودى للحوثيين.