حين ينطلق أذان المغرب معلناً انتهاء الصيام، تخلو شوارع القاهرة تماماً. تلتف الأسرة حول المائدة داخل البيت البسيط.. الأب، الموظف الحكومى، والأم، ربة المنزل، والأبناء الثلاثة، «محيى» طالب الجامعة، و«سامية»، و«نوال» الفتاتان الناضجتان. صوت طرقات على الباب تعلن وصول ضيف غير متوقع، تنسل «نوال» لتفتح الباب فتطالعها العينان النافذتان تكادان تخترقان عينيها الرائعتين، تتسمر فى مكانها وعيناها مثبتتان فى عينى الزائر.. لا، ليستا عينين عاديتين، فيهما خوف، وفيهما رجاء، وفيهما أمل، وفيهما شعاع ضوء لا ينبغى أن ينطفئ، تعرف جيداً صاحب العينين، هو نفسه «إبراهيم حمدى»، الذى تنشر الصحف صورته باعتباره قاتل «عبدالرحيم باشا شكرى»، رئيس الوزراء. لا تعرف «نوال» أنه هرب للتوّ من «قصر العينى»، حيث كان يتلقى العلاج من آثار تعذيب «الدباغ» رجل الشرطة له لإجباره على الاعتراف على شركائه، كما لا تعرف أنه لجأ إلى بيتهم ليتخفى فيه، مستغلاً ابتعاد «محيى» شقيقها وزميله فى الكلية عن العمل السياسى، وبالتالى ابتعاد الشبهات عنه. يدخل «إبراهيم» البيت ليصبح واحداً من أهله، يخفونه حتى عن أقرب الناس إليهم، يبالغون فى الحرص فيطردون الخادمة الصغيرة حتى لا تشى بهم. يتعقد الأمر بعد إعلان وزارة الداخلية عن مكافأة تبلغ خمسة آلاف جنيه لمن يدلى بمعلومات تساعد فى القبض عليه، وعقوبة تصل إلى السجن 3 سنوات لكل من يساعده أو يمتنع عن الإدلاء بما لديه من معلومات. يصبح على «إبراهيم» أن يخرج من البيت بعد أن يشاهده «عبدالحميد» ابن عم «محيى»، والذى تخشاه الأسرة باعتباره «ولد صايع وما كمّلش تعليمه». يرحل «إبراهيم» عن البيت تاركاً فيه قلبه الصغير وديعة لدى «نوال»، التى منحته قلبها بدورها، وكلها أمل أن تلقاه مرة أخرى. فى عام 1961 أخرج «بركات» فيلمه الشهير تحت عنوان «فى بيتنا رجل»، عن قصة لإحسان عبدالقدوس تحمل الاسم نفسه، يقولون إنها حدثت بالفعل، حين أقدم الشاب «حسين توفيق» فى عام 1945 على قتل أمين باشا عثمان، وزير مالية حكومة الوفد، بعد أن أطلق تصريحه الشهير: «زواج مصر من بريطانيا كاثوليكى، لا انفصال فيه»، وهى العبارة التى أثارت عدداً من الوطنيين، كان بينهم الصاغ «أنور السادات»، رئيس الجمهورية فيما بعد، والذى روى فى مذكراته كيف خطط ودبّر مع مجموعة الطلبة الصغار لاغتيال الوزير، تاركاً التنفيذ لهم، وحين نجح «توفيق» فى مهمة اغتيال الوزير، ألقت الشرطة القبض عليه هو و«السادات» وكل من اشتبهت فى تورطهم فى الحادث، لكن «توفيق» هرب، ولجأ إلى دار «إحسان عبدالقدوس» الصحفى الشاب وقتها ليختبئ عنده، ولم يجد «إحسان» مكاناً آمناً ليخفى فيه الشاب أفضل من حجرة نومه. وتقول الرواية إن خادم «إحسان» لمح «توفيق» فى حجرة النوم فسارع بإبلاغ الشرطة، فى الوقت الذى كان فيه «توفيق» يعاود الهرب من جديد لينطلق إلى خارج مصر. «فى بيتنا رجل» أكثر من مجرد فيلم سينمائى أبدع فيه كل من «عمر الشريف» و«زبيدة ثروت» و«رشدى أباظة» و«حسين رياض» و«توفيق الدقن» و«حسن يوسف» و«زهرة العلا»، إذ يمكن اعتباره وثيقة هامة تؤرخ لشوارع القاهرة وقت إفطار رمضان.